شَارِك المَقَال

 

سلَّطت الأزمة الحاليَّة الَّتِي يمرُّ بها العالَم والتَّرَاجُع الحَادّ في النَّشَاط الاقْتِصَادِيّ في جميع أنحاء العالَم الضَّوْء على العوامل والظُّرُوف الَّتِي في ظِلّها يمكن تصنيف #الرُّكُودالاقْتِصَادِيّ على أنَّه #كَسَاد.

 

الاختلاف بين المصطلحين أكثر عمقاً من مُجَرَّد اختلاف في المدة الزمنيَّة ومدَى النِّطَاق الَّذِي قد يتأثَّر به، فالفرق الحقيقيّ يعكس الاختلافات في العوامل السَّبَبِيَّة والعَوَاقِب المُصَاحِبَة لها، وسياسات الاقتصاد الكُلِّيّ المُتَّبَعَة في فترات الرُّكُود تكون أقلّ فَاعليَّة في الكَسَاد.

 

يحدث #الرُّكُود دائماً نتيجة لفترة طويلة من السِّياسة النقديَّة الصَّارمَة، في حين يَسْتَتْبع #الكَسَاد دورةً طويلةً ومُمتدَّة لأسعار الأصول وتؤدِّي إلى انكماش في الائتمان والدُّيون، ما يُسَبِّب عجزاً في السِّياسَة النقديَّة، ويتميز الكَسَاد بانخفاض في مستويات السِّعر العام والنَّشاط الاقْتِصَادِيّ ككُلّ.

 

بشكلٍ عامّ، ليس من الضرورة أن يكون #الكَسَاد عظيماً وذا تأثير مزلزل، كما حدث في ثلاثينيَّات هذا القرن، ليصبح كَسَاداً، فمن الممكن أن يكون الكَسَاد متوسطاً أو حادّاً تماماً كالرُّكُود.

 

#الرُّكُود هو تراجع اقْتِصَادِيّ واسِع النطاق يستمرّ لمدة تتراوح بين سنة وستة أشهر، ويهبط فيه الاقتصاد ليسجل نموّاً سلبيّاً في النَّاتِج المَحَلِّيّ الإجمالي للدولة، بينما يُعرَف الكَسَاد بأنَّه انخفاضٌ أكثر حدَّة وقد يستمرّ لعدة سنوات يهبط فيه النَّاتِج المَحَلِّيّ الإجمالي بنسبة لا تقل عن 10%

 

هناك مُزْحَة قديمة قالها #دونالد_ريجان رئيس الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة مخاطباً مُنَافِسه في الانتخابات الرئاسيَّة #جيمي_كارتر تقول: “الرُّكُود هو عندما يَفْقِد جارك وظيفته، أما الكَسَاد فهو عندما تفقد أنت وظيفتك”.

 

يمكن إطلاق صفة “كَسَاد” على الأزمة الَّتِي مرَّت بها #اليابان في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما تقلَّص النَّاتج المحَلِّي الحقيقيّ بنسبة 1.0%، وانخفض مستوى الأجور بنسبة 5.5%، وانكمش سعر النَّاتج المَحَلِّي بنسبة 3.9%.

 

خلال القرون الأخيرة الماضية، حدثت أزمتان ماليتان صَدَمت الاقتصاد العالميّ والمُجْتَمَع الدوليّ بأكمله، الأَوَّل هو #الكَسَاد_العظيم الَّذِي حدَث في العقود الأولى من القرن العشرين، والثاني هو الرُّكُود الكبير الَّذِي ظهر في مطلع القرن الحادي والعشرين.

 

يُعْتَبَر الكَسَاد الكبير الَّذِي ضرب الولايات المتَّحِدَة، واستمَرّ من عام 1929م وحتَّى عام 1933م أخطر أزمة ماليَّة حدثت في العالَم، وقد تسبَّب انهيار سوق الأسهم “وول ستريت” عام 1929م بركودٍ عميقٍ أدَّى لاحقاً لكَسَاد عظيم.

 

من أسباب انهيار سوق الأسهم الماليَّة “وول ستريت”: عجز البنوك وإعلان إفلاسها، قلَّة السُّيُولة الَّتِي أدَّت إلى قلَّة القدرة الشِّرائيَّة، السِّياسَة الاقْتِصَادِيّة الأمريكيَّة مع أوروبا، التَّغَيُّرات البيئيَّة الَّتِي حدثت كالجفاف الَّذِي ضرَب المنطقة لمدة عام.

 

لم تتأثَّر الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة فقط بالكَسَاد الَّذِي حدث، بل امتدَّ أثر تلك الأزمة إلى معظم دُوَل العالم، سواءً كانت دُوَلاً مُتَقَدِّمَة أو نَامِيَة، كما ساهَم صُعُود النَّازيين لسُدَّة الحُكْم في ألمانيا ونثرهم لبذور الحرب العالمية الثَّانية في تَفَاقُم تَبِعَات الكَسَاد العظيم في أوروبا.

 

يُعرف يوم الثلاثاء الموافق التاسع والعشرون من شهر أكتوبر عام 1929م بيوم “الثلاثاء الأسود”، وهو اليوم الَّذِي حدث فيه انهيار وول ستريت، حيث تمَّ عَرْض أكثر من 13 مليون سهم على لائحة البيع، ما أدَّى إلى ازدياد العرض عن الطلب، وتورُّط المستثمرين بديون قروضٍ عجزوا عن سدادها للبنوك الَّتِي أعلنت إفلاسها نتيجة لذلك.

 

الأزمة الماليَّة الثانية الَّتِي ضربت الاقتصاد العالميّ والمجتمع الدوليّ هي الرُّكُود الكبير، فقد نتج عن أزمة حادَّة في سُوق الرهن العقاريّ في 2007م في أمريكا، سُرعان ما تطوَّرت لتصبح أزمةً مصرفيَّة دوليَّة. استمرَّت الأزمة إلى عام 2012م، وساهمت في حُدُوث أزمة الدُّيُون الأوروبيَّة.

 

ولكن لا يمكن القول بأنَّ أزمة السُّوق العقاري كانت السبب الوحيد للرُّكُود الكبير، فقد كانت هناك عوامل أخرى فاقمت مِن تَبِعَات أزمة السُّوق العقاريّ، والَّتِي ألقت بآثارها على البيئة الاقْتِصَادِيّة العالميَّة منذ أوائل عام 2002 وحتى العام 2007م.

 

من هذه العوامل الإخفاقات واسعة النِّطَاق في التَّنْظِيم الماليّ، الانهيارات الكبيرة في حَوْكَمَة الشَّرِكَات، الاقتراض المُفْرِط الَّذِي قامت به العديدُ من الأُسَر في ظلّ غياب تطبيق شروط القدرة على السَّدَاد، عدم استعداد صُنَّاع السِّياسَات للأزمة وافتقارهم للفهم الكامل للنظام المالي الَّذِي أشرفوا عليه.

 

لم تَفْشل المؤسَّسَات الماليَّة الأمريكيَّة فقط بل وتفاقم الأمر ليطال المُؤَسَّسَات الماليَّة على مستوى العالَم، فقد تسبَّب عدم قدرة الأُسَر على سداد دُيُونها لحبس رهوناتهم العقاريَّة، وانخفاض أسعار العقارات، وانخفضت أسواق الأسهم في كلّ أنحاء العالَم وحدثت أزمة في السُّيُولة الماليَّة.

 

تسبَّبت أزمة الرُّكُود الكبير بخسائر فادحة على مستوى العالَم وخُصُوصًا في الولايات المتَّحِدَة ومنطقة اليورو، وانخفض النَّاتِج المَحَلِّيّ الإجماليّ للدُّوَل، وازداد مُعَدّل نُمُوّ البَطَالَة ومُعَدَّل الدُّيُون.

 

من الآثار الإيجابيَّة للكَسَاد والرُّكُود: تمكُّن المنشآت الإنتاجيَّة من التخلُّص من فائض المخزون لديها لتعود لمُعَدَّلَاتها الطبيعيَّة، وبذلك يَتَحَقَّق التَّوَازُن الاقْتِصَادِيّ، كما يساعد النَّاس على الإنفاق بحدود قُدَرَاتهم الحقيقيَّة بدون إسرافٍ ما يساعدهم على الادخار أكثر والاستثمار أكثر من الآثار السلبيَّة للكَسَاد والرُّكُود: انخفاض مُعَدَّلات الإنفاق وارتفاع البَطَالَة، وقِلَّة مُعَدَّلَات التَّوْظِيف والانكماش الاقْتِصَادِيّ، وتَرَاجُع قيمة الأصول.

 

شَارِك المَقَال