بدايةً ما المقصود باقتصاد الحرب؟ يعتبر مصطلح اقتصاد الحرب من المصطلحات الاقتصادية القديمة نسبياً. فأول ظهور له كان في إبان الحرب الأهلية الأمريكية 1861– 1865م. وترسخ هذا المبدأ خلال الحرب العالمية الثانية. وقد ظهر هذا الاقتصاد وبقوة خلال الأزمة السورية. وهذا ما أدى إلى خلل هيكلي في الاقتصاد الكلي والجزئي.
عموماً يشير اقتصاد الحرب إلى مجموعة من إجراءات الطوارئ التي تتخذها الدول لتعبئة مواردها الاقتصادية خلال الحرب. وذلك بوضع نظام لإنتاج وتعبئة الموارد واستخدامها للإنفاق العسكري. ويلجأ لهذا الاقتصاد خلال الحروب أو قبلها من خلال وضع أسس التعبئة لأي طارئ عسكري.
بصفة عامة تعتبر التجربة الأمريكية والألمانية أفضل التجارب الدولية في إدارة هذا النوع من الاقتصاد. ففي الحرب العالمية الثانية تمكنت كلا الدولتين من توجيه مواردهما لتحقيق الأهداف العسكرية. واللافت في هاتين التجربتين أن إدارتهما تمكنت من تشغيل المكنة العسكرية ومن تحقيق مستوى تشغيل عال. فكلا الدولتين لم تعانيا من البطالة في ذروة الحرب.
يختلف هذا النوع من الاقتصاد في حالة الحروب الخارجية عن الداخلية. ففي الحروب الداخلية غالباً ما يتم تدمير الاقتصاد من خلال اقتصاد الحرب. كون مختلف الأطراف المتحاربة تسعى لتسخير الموارد الاقتصادية لخدمة أهدافها الخاصة. وغالباً ما يدفع الأفراد الثمن الاقتصادي لهذه السياسات الاقتصادية.
اقتصاد الحرب بمفهومه العام مختلف عن الاقتصاد المرافق للأزمة السورية. فهو يعتبر حالةً خاصةً حيث أصبح أقرب لاقتصاد الكوارث. وعلى الرغم من وجود عدة أطراف متحاربة فإن الموارد الاقتصادية بغالبيتها كانت مسخرةً لخدمة طرف واحد وهو النظام. وهو الذي استنزف موارد البلاد الاقتصادية لتمويل آلته العسكرية.
إلا أن التحول الرئيسي للاقتصاد السوري إلى اقتصاد الحرب بدأ عام 2013م عندما بدأ النظام بتحويل الموارد الاقتصادية لخدمة الآلة العسكرية. واستمر هذا الاقتصاد في الانتشار في ظل زيادة حدة العمل العسكري وتوسع نطاق المواجهات. حتى سيطر في عام 2016م على ما تبقى من الاقتصاد السوري المدمر.
من جهة أخرى نجح النظام السوري في استغلال هذا المفهوم لتحقيق أهدافه الداخلية والخارجية. حيث إن جزءً من موارد الدولة السورية وُجّهت لإرضاء الحلفاء كعقود الاستثمار التي مُنِحت للروس. كما حدث في استثمار مرفأ طرطوس واستثمار مناجم الفوسفات. ومما لا شك فيه أن هذه التضحية بالموارد عزّزت من ولاء الحلفاء إلا أنها أضرت باقتصاد الدولة السورية.
جزء من موارد الدولة السورية تم توجيهها لتمويل الميليشيات المحلية الموالية للنظام. مثل عقود حماية آبار النفط واستغلال المعابر والسيطرة على الحواجز وغيرها. وهو ما أفرز طبقةً ثريةً من أمراء الحرب الموالين للنظام. وهذا التخصيص للموارد ترافق بمظاهر ثراء فاحش وبنسب فقر مدقع جاوزت نسبته 90% من السوريين.
على جانب آخر فإن توزيع موارد الدولة السورية بين حلفاء النظام في الداخل والخارج أدى لظهور نوعين من اقتصاد الحرب. الأول اقتصاد داخلي والآخر خارجي. والتداخل بين هذين الاقتصادين كان مدمراً للاقتصاد السوري. وهنا يمكن تشبيه هذين الاقتصادين بحجري الرحى. فهما متلاصقان ومتعاونان في تفتيت الاقتصاد السوري.
العديد من المظاهر السلبية في المجتمع السوري لا سيما في مناطق سيطرة النظام يمكن عزوها لسياسات اقتصاد الحرب التي مارسها النظام. ولعل الحدث الأخير الذي تمثل في شراء سيارات من قبل بعض المتنفذين في بيئة النظام. والتي قُدّر ثمنها بما يفوق مليار ليرة سورية في ظل أزمة خبز خانقة. فاقتصاد الحرب سبَّب هوةً اجتماعيةً حادةً في المجتمع السوري.
في الحقيقة إن اقتصاد الحرب بمفهومه العام قضية إيجابية. فهو يُمكّن الدولة من تعبئة مواردها لمواجهة التهديدات الخارجية. وغالباً ما ينعكس نماءً اقتصادياً بعد نهاية الحرب. إلا أنه في سوريا قضية سلبية بالمطلق. فقد عمل على تخصيص الموارد لفئة سياسية محددة مقابل دمار شبه تام للمجتمع وللدولة ككل.
علاوة على أنه في ظل حكومة النظام لم يتم تخصيص الموارد فقط لصالح الآلة العسكرية. بل تم تدمير الموارد التي لم يتمكن النظام من السيطرة عليها. مثل تدمير المدن الصناعية الرئيسة وإلحاق الضرر بالزراعة والمنشآت الإنتاجية. وهذا يعتبر معاكساً بالمطلق للغاية التي ظهر لأجلها هذا المفهوم.
من هنا فإن دخول #الاقتصاد_السوري مرحلة التعافي المبكر يحتّم العمل على السيطرة على اقتصاد الحرب. وهذا الأمر مرهون بالجهود السياسية. فلا بد من عودة الموارد السورية للدولة وألا تستأثر بها حكومة النظام وتوجهها لخدمة الآلة العسكرية الموجهة لقتل وتهجير السوريين.