شَارِك المَقَال

من الملاحظ أن مستوى الأسعار في مختلف دول العالم شهد ارتفاعاً ملحوظاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية. ويلاحظ هذا الأمر بشكل واضح على مستوى المواد الغذائية التي شهدت ارتفاعاً بلغت نسبته في بعض المواد أكثر من 60%. ويعد هذا الأمر مبرراً فيما يخص المنتجات الغذائية المستوردة من روسيا أو أوكرانيا كالقمح والزيت النباتي. ولكن ما تبرير ارتفاع أسعار المواد الغذائية المنتجة محلياً في غالبية الدول كالخضار والفواكه. فهل هناك بالفعل تأثير للحرب الروسية الأوكرانية عليها؟ أم أن هناك أسباباً أخرى تعد شكلاً من أشكال الاستثمار للحرب والتذرع بها لرفع الأسعار؟

 

ما أثر الحرب الروسية الأوكرانية على مدخلات الإنتاج؟

في الحقيقة لا يقتصر أثر الحرب الروسية الأوكرانية على السلع المنتَجة في روسيا وأوكرانيا فقط. بل ينسحب على كل السلع الأخرى المُنتَجة خارج الدولتين. وذلك بسبب تأثير الحرب على مدخلات الإنتاج. ففيما يتعلق بالإنتاج الغذائي فإن له مدخلات إنتاجية محددة شأنه في ذلك شأن أي قطاع صناعي أو خدمي.

كما أن للإنتاج الزراعي نوعين من المدخلات مباشرة وغير مباشرة. فالمدخلات المباشرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمل الزراعي كالبذور والسماد والمبيدات الحشرية وغيرها. وهذه المدخلات تتأثر بالحرب. حيث إن روسيا تعد مصدراً دولياً مهماً للأسمدة. فهي تستحوذ على 22% من الصادرات العالمية من الأمونيا. و14% من اليوريا. و14% من الأمونيوم. وتستحوذ روسيا مع حليفتها بلاروسيا على 40% من سماد البوتاس. وهو ما أدى لارتفاع أسعار الأسمدة في كل دول العالم 30%. وهو ما يعني زيادة تكاليف العملية الزراعية وهو ما ينسحب حكماً على أسعار المنتجات الزراعية المحلية.

أما فيما يتعلق بالمدخلات غير المباشرة فهي تشمل العناصر التي لا تدخل بشكل مباشر في العملية الإنتاجية. كالطاقة على سبيل المثال. ولتبسيط الأمر يمكن ملاحظة أن نقل الإنتاج الزراعي من أماكن الإنتاج إلى أسواق التصريف يحتاج للطاقة المتمثلة بالمحروقات. وفي حال ارتفاع أسعارها ستنعكس ارتفاعاً في التكاليف غير المباشرة. وبالتالي تؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.

فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية فإنها سببت ارتفاعاً واضحاً في أسعار حوامل الطاقة وعلى وجه الخصوص النفط. الذي ارتفع سعره بحدود 30 دولاراً للبرميل الواحد. وهو ما انعكس على تكاليف مختلف الأنشطة الاقتصادية ومنها الأنشطة الزراعية.

 

ما آثار الحرب على سلاسل التوريد؟

من جهة أخرى يعاني العالم من أزمة واضحة في سلاسل التوريد والتي زاد تفاقمها في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا. وتؤثر سلاسل التوريد على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي في العالم بسبب صعوبة التوريدات. وهو ما ينعكس بشكل غير مباشر على تكاليف الشحن. وبالتالي يؤثر على تكلفة العملية الإنتاجية بالكامل بما فيها الإنتاج الزراعي حتى على المستوى المحلي. كون هذا الأمر يؤثر على المدخلات المباشرة وغير المباشرة.

 

كيف انعكست الحرب على التضخم؟

من ناحية أخرى أدت الحرب لارتفاع واضح في معدل التضخم العالمي. ولعلاج هذا الوضع قامت دول عدة برفع أسعار الفائدة للحد من ارتفاع معدلات التضخم. ورفع سعر الفائدة يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وبالتالي ارتفاع تكلفة تمويل العملية الإنتاجية. وهو ما يسبب ارتفاع سعر المنتجات الوسطى والنهائية. مما ينعكس على الأسعار النهائية للمستهلك بما فيها المنتجات الزراعية.

في النهاية يمكن القول بأن الحرب الروسية الأوكرانية سببت ارتفاعاً في أسعار مختلف المواد سواء ذات المصدر الروسي والأوكراني أو المنتجات المحلية. فالمنتجات المحلية ليست بمنأى عن تأثيراتها. ولهذا يتم التحذير بشكل مستمر من أن الحرب تعزز من مخاطر الأمن الغذائي العالمي لا سيما على مستوى الدول النامية والفقيرة. وزاد التحذير من خطر تعرّضها لمجاعة في حال طول أمد الحرب أو توسّع رقعتها.

 

شَارِك المَقَال