شَارِك المَقَال

يعد الغزو الروسي لحظة حاسمة لمستقبل النظام الدولي. فعالم ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية لن يعود كما كان قبلها. ليس فقط على المستوى الاقتصادي بعد تأثير العقوبات الغربية على روسيا. وردود فعل الأخيرة تجاه العقوبات. بل يختلف سياسياً عما كان عليه قبل الحرب. وهو ما ينسحب بشكل مباشر على العلاقات الأمريكية الخليجية. والسؤال هنا: ما تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على العلاقات الأمريكية الخليجية؟

 

ما جذور الخلافات الخليجية الأمريكية؟

تعد العلاقات الأمريكية الخليجية ليست في أفضل أحوالها. فقد شهدت عدة انتكاسات بدأت مع اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018م. وأشعلها اتجاه واشنطن لتطبيع العلاقات مع طهران من أجل توريد النفط بدلاً من روسيا. في وقتٍ تعاني فيه السعودية والإمارات من صواريخ الحوثيين المدعومين من إيران. والتي رفضت الولايات المتحدة لفترة طويلة تصنيفها كجماعة إرهابية.

خلال الغزو الروسي لم تدعم دول الخليج الموقف الأمريكي. وذلك من خلال عدم مجاراتها لواشنطن في فرض عقوبات على موسكو. كما عارضت رغبة بايدن بزيادة إنتاج النفط لكبح جماح الأسعار التي تجاوزت حاجز الـ 100 دولار للبرميل بعد تجميد النفط الروسي.

مع استمرار الحرب تجاهلت الإمارات مناشدات واشنطن لإدانة الحرب الروسية الأوكرانية. وانضمت إلى الصين والهند وامتنعت عن التصويت. في إشارة واضحة لإحباط أبو ظبي من السياسات الأمريكية. وهو نفس موقف السعودية التي رفضت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. واكتفت بعرض جهودها للوساطة بين الجانبين.

 

ما موقف الشرق الأوسط بين الانكفاء الأمريكي والتقدم الروسي؟

على ما يبدو فإن اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط لم يعد كما كان قبل عقود. فاهتمام واشنطن يزداد بقضايا أخرى مثل تغير المناخ وعلاج المشكلات الاقتصادية العالمية والتركيز على قضايا حقوق الإنسان. ويتجه الاهتمام الاستراتيجي الأمريكي إلى الصين ومناطق جنوب شرق آسيا. ولم تعد المنطقة العربية أولوية استراتيجية. علاوة على رغبة واشنطن في تخفيض التزاماتها العسكرية بمنطقة الشرق الأوسط.

في المقابل فالوجود الروسي واضح في المنطقة. من خلال الملف السوري والتدخل عسكرياً في عام 2015م لدعم نظام الأسد. والسيطرة على الموانئ السورية التي تطل على البحر المتوسط مثل اللاذقية وطرطوس.  كما توجد في ليبيا مجموعات قتالية مرتبطة بالكرملين. تقاتل إلى جانب خليفة حفتر المدعوم إماراتياً.

 

ما واقع ومستقبل العلاقات الروسية السعودية؟

صحيح أن السعودية تشترك بمصالح حيوية مع الولايات المتحدة. إلا أن نظام القيم السياسية لديها أقرب إلى موسكو. وعلى الرغم من التقدم البطيء للعلاقات بينهما. إلا أن المصالح الاقتصادية المشتركة وأبرزها منظمة أوبك+ التي تقودها الحكومتان تدفعهما لتطوير العلاقة. أولاً للخروج من آثار جائحة كورونا الاقتصادية. وثانياً لدعم موقفهما السياسي أمام الولايات المتحدة.

على الرغم من إصرار المسؤولين في السعودية والإمارات على أن الولايات المتحدة هي الشريك الأساسي لهم. إلا أنه من الواضح أن قِبْلة الخليج بدأت تتجه صوب روسيا. حيث عززت السعودية علاقاتها مع موسكو والصين. في إطار تنويع خياراتها الدبلوماسية وأدواتها الاستراتيجية. وفي الوقت المثالي الذي تتغير فيه موازين القوى السياسية والاقتصادية عالمياً.

بالطبع إن سناريوهات مستقبل خريطة العلاقات الاستراتيجية الدولية مرهون بمستقبل الحرب في أوكرانيا. ففي حال انتصار روسيا فإن حضورها الدولي وحضورها في المنطقة العربية عموماً وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص سيتعزز. والعكس صحيح.

بالإضافة إلى ذلك فإن التحالف الروسي الإيراني يعد عقبة رئيسة في تطور العلاقات الخليجية الروسية. ولعل هذا التحالف هو ما يمنع حتى الآن وجود تقارب روسي خليجي حقيقي. فالمخاطر القومية الخليجية تتفوق على باقي المؤشرات.

شَارِك المَقَال