شَارِك المَقَال

سببت الحرب الروسية الأوكرانية شرخاً حاداً في العلاقات بين الشرق والغرب. وقطعت غالبية قنوات الاتصال بينهما. وهو ما يعزز من التوتر ويقلل فرص إيجاد تسوية للحرب. والدور التركي هنا كان فعالاً في لعب دور الوسيط. وفي ذات الوقت استفادت روسيا من العلاقة مع تركيا. ليس كدور وسيط فحسب بل بمنافع اقتصادية وسياسية أخرى. ولفهم مستقبل هذه العلاقة لا بد من تحديد المنافع المرتبطة بها.

 

ما طبيعة العلاقة الروسية التركية؟

تعد العلاقات الروسية التركية من العلاقات المتذبذبة. فالعداء بين الدولتين يعود لعدة قرون. وبالعموم يعد الخلاف السمة السائدة على هذه العلاقة. إلا أنه في العقود القليلة السابقة تصاعدت العلاقات الاقتصادية بينهما. وهو ما لعب دوراً مساعداً في تخفيف حدة التوتر السياسي بينهما.

في ظل الحرب الروسية الأوكرانية كان موقف تركيا وسطياً. وأقرب ما يكون للحيادية السياسية. وتأتي إشادة بوتين الأخيرة بالرئيس التركي منطقيةً ومقبولةً في هذا السياق. فهو يصفه بالرجل القوي الأمين الذي يسهل التعامل معه. وهو ما يوضح مدى التقارب بين الدولتين.

من جهة أخرى فإن الاتفاق الأخير حول نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا كرَّس التقارب الاقتصادي بين الدولتين. وهو الأمر الذي له انعكاسات سياسية. وهذا الاتفاق يخدم طموحات الدولتين الاستراتيجية. فغالبية العلاقات بين الدولتين تصب في مصالحهما. وهو ما يعزز من استمرار التعاون بينهما.

 

ما مكاسب روسيا من تقوية علاقتها بتركيا؟

بحسب تصريحات بوتين نفسه فإن العمل مع تركيا سيسهل على روسيا التحكم في مياه البحر الأسود. وهو ما انعكس على اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود قبل تعليقها مؤخراً. حيث قررت موسكو إعادة إحياء الاتفاقية بعد حصولها على ضمانات خطية بوساطة تركية بعدم استخدام ممر الحبوب في عمل عسكري ضدها.

النقطة الثانية من خلال تركيا سوف تتمكن موسكو من تصدير الغاز بشكل طبيعي. حيث تتعاون كل من أنقرة وموسكو على المستوى الفني لتحويل تركيا لمركز نقل وشحن الغاز إلى أوروبا. وهو ما توافق عليه الأخيرة. وتراه علاجاً ولو “مؤقتاً” لأزمة الغاز خلال الشتاء المقبل.

 

في المقابل تراهن روسيا على أنه إذا تم إنشاء مركز للغاز الطبيعي في تركيا؛ فسيكون هناك مشترون أوروبيون جدد للغاز الروسي. خاصةً مع التوقعات المناخية المتزايدة بانخفاض درجات الحرارة لمستويات قياسية في هذا الشتاء والذي يليه.

النقطة الثالثة من خلال التعاون الوثيق بين البلدين تمكنت روسيا من إيقاف صفقة الطائرات المسيرة لأوكرانيا. بعد أن ألغت شركة الدفاع التركية الخاصة “بيرقدار” خططًا لإنشاء مصنع لتصنيع الطائرات بدون طيار في أوكرانيا. والتي تم الاتفاق عليها قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

النقطة الرابعة إن أداء تركيا دور الوسيط بين الغرب وموسكو جعل دولةً مثل ألمانيا تغير موقفها من روسيا. وتدعم إيجاد أرضية ولغة مشتركة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في محاولة للتفاوض لوقف الحرب. نظراً لخسائرها المتصاعدة سياسياً واقتصادياً. وهو بلا شك مكسب كبير لروسيا.

النقطة الخامسة إن روسيا من خلال اقترابها الوثيق من تركيا تخلق حليفاً استراتيجياً في المنطقة في وقت نَدُرَ فيه الحلفاء والأصدقاء. وهو أمر مهم يمكن أن تعتمد عليه روسيا في فترة ما بعد الحرب. في إعادة إحياء قوة اقتصادها الذي تأثر وبشدة نتيجة العقوبات الغربية.

أخيراً فإن دهاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السياسي يقابله خبرات عميقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هذه الخبرات قادرة على تحقيق مصالح بلاده من تلك العلاقة. والخروج منها بأفضل المكاسب السياسية والاقتصادية. وأقل الخسائر في علاقات تركيا مع الغرب.

شَارِك المَقَال