شَارِك المَقَال

اتجاه أوكرانيا إلى صياغة خطة سلام مع روسيا في ظل اقترابنا من إتمام العام الثاني من الحرب بين البلدين. يشير إلى رغبة كييف وداعميها في الغرب بإيقاف الحرب. في ظل غياب أي مؤشرات لانتصار أوكراني حقيقي. إذاً ما هي خطة السلام الأوكرانية؟ ولماذا الآن؟ وما مؤشرات ذلك؟ وما هي توقعات المستقبل؟

ما هي خطة السلام الأوكرانية؟

تدعو المبادرة الأوكرانية للسلام مع روسيا إلى استعادة وحدة أراضي أوكرانيا. وانسحاب القوات الروسية. وحماية إمدادات الغذاء والطاقة. والسلامة النووية. والإفراج عن جميع السجناء. وهو بالطبع ما ترفضه روسيا. وإن كان الغرب يراهن على الدعم الدولي لإجبار موسكو على قبولها.

لماذا الآن؟

في الواقع لم تبدأ المحادثات الدولية حول خطة السلام حتى الآن. ولكنها بدأت في كوبنهاجن يونيو الماضي. إلا أن اللقاء الأخير والذي يعد الرابع في تلك المحادثات له أهمية خاصة. كونه الأكبر من حيث عدد الدول المشاركة -83 دولة- مع ظهور خاص لجنوب إفريقيا والبرازيل الأقرب لروسيا.

من جهة أخرى تبرز أهمية توقيت المبادرة في ظل انشغال العالم بقضايا أخرى. أبرزها العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة. إضافةً إلى ذلك يتم في الوقت الحالي إعاقة قدر كبير من التمويل لأوكرانيا بسبب مناوشات سياسية في الولايات المتحدة الداعم الأكبر لكييف. حيث يمنع الجمهوريون 61 مليار دولار من التمويل لأوكرانيا. والحال نفسه في الاتحاد الأوروبي. حيث نجحت المجر في منع حزمة مساعدات بقيمة 54.8 مليار دولار.

أضف إلى ذلك أن أوكرانيا تعاني بشدة من نقص الذخيرة والمساعدات العسكرية الغربية. في ظل استهلاك ضخم للذخيرة. فعلى سبيل المثال في مارس الماضي وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم مليون طلقة من قذائف المدفعية عيار 155 ملم بحلول مارس 2025م. لكنه يواجه صعوبات في الوفاء بذلك. حيث ينتج حالياً حوالي 300 ألف طلقة سنوياً. وأوكرانيا تستهلك ما يصل إلى 7000 طلقة يومياً!

أما على المستوى الشعبي فقد مل الناس من سماع الأخبار السيئة التي تحدث في كل من أوكرانيا وغزة. وهذا يسهم أيضاً في زيادة التضخم. وبالتالي يكون له تأثير مباشر على المواطنين في الغرب. علاوةً على ذلك. تشكل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عاملاً حاسماً آخر في حجم الدعم الموجه لأوكرانيا. فإذا وصل “ترامب” إلى السلطة فمن المحتمل جداً أن تفقد أوكرانيا دعم الولايات المتحدة تماماً.

في الوقت نفسه تتصاعد الاحتياجات الإنسانية في أوكرانيا. حيث نزح ربع السكان. وما زال المدنيون يقتلون بسبب الهجمات الروسية. وينتشر نحو ستة ملايين لاجئ أوكراني في مختلف أنحاء أوروبا. ولا يزال العديد منهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الاحتياجات الأساسية.

في المقابل ورغم تكبد روسيا خسائر فادحة من حيث الجنود والمواد. لكنها تتمتع بقدرة إنتاجية أعلى من أوكرانيا. ويمكنها الاعتماد على الدعم اللوجستي الإيراني والكوري الشمالي في حرب استنزاف طويلة الأمد.

كما أن تكثيف القوات الروسية في الآونة الأخيرة الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار ضد أوكرانيا استنفد مواردها من الدفاع الجوي. مما ترك البلاد عرضة لخطر الانكشاف الجوي. ما لم تتمكن من تأمين المزيد من إمدادات الأسلحة.

أما على الأرض فلا يزال القتال محتدماً في جنوب وشرق أوكرانيا. حيث تتمركز الوحدات الروسية بعمق. مما يمنع القوات الأوكرانية من تحقيق تقدم كبير.

 

أوراق الضغط الأوروبية على موسكو

يسعى الغرب من خلال جذب حلفاء روسيا -وأبرزهم الصين- إلى الضغط على موسكو لقبول المبادرة ولو بشكل جزئي. وهو ما نجح فيه بشكل نسبي من خلال حضور البرازيل وجنوب إفريقيا أعضاء البريكس مع روسيا. وإن غابت الصين عن الحضور. كما يراهن الغرب على دول الجنوب المتأثرة بأزمة الحبوب في أن تكون هي الأخرى أداة ضغط على روسيا.

كما تعد الدول “غير الغربية” بمثابة جسر بين الغرب وروسيا. حيث أكدت تلك الدول خلال مشاركتها أن تشمل التسوية علاج مخاوف موسكو الأمنية. مثل رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وهو ما يمكن أن يقبله الغرب في ظل تسوية نهائية للصراع.

ما مستقبل المفاوضات الروسية الأوكرانية؟

على أساس أننا وصلنا إلى النقطة التي لا يمكن فيها تحقيق المزيد في ساحة المعركة. فإن الخيار الوحيد هو الجلوس والتفاوض. حيث ترغب أوكرانيا في تنظيم قمة سلام مطلع العام الجاري. وتمهيد الطريق لعقد محادثات مستقبلية مع موسكو.

ولكن إقناع روسيا بالحضور إلى طاولة المفاوضات لن يكون سهلاً. إلا إذا حدث تحول مفاجئ في مسار الحرب. والذي فشلت فيه أوكرانيا حتى الآن في تحقيق أي تقدم كبير. كما أنها تفتقر بشدة إلى القدرة العسكرية والقوى البشرية اللازمة لتكون لها اليد العليا في المعركة.

من ناحية أخرى وحتى لو أجريت المحادثات فإن العقبات التي تعترض خطة السلام كبيرة. مع عدم رغبة أي من الطرفين في التخلي عما يسمى بـ”الخطوط الحمراء” التي يصر عليها الطرفان منذ بداية الحرب. وأبرز تلك العقبات فكرة انسحاب روسيا أو تنازل أوكرانيا عن مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابوريزهيا وخيرسون. والتي ضمتها في سبتمبر 2022م باعتبارها أراض روسية.

في النهاية على كل الأحوال فإن إثارة المفاوضات في هذه المرحلة يشير بوضوح إلى افتقار الغرب للإيمان بانتصار أوكرانيا. وعدم الرغبة في الاستمرار على هذا المسار. كما أنه سيؤكد لروسيا حدود عزيمة الغرب في القتال.

شَارِك المَقَال