شَارِك المَقَال

يعد المخطط الإسرائيلي لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء -في حال نجاحه- نهايةً حتميةً للقضية الفلسطينية. وخسارةً مؤكدةً وأبديةً لفلسطين. وتشكل ثغرةً كبرى في الأمن القومي العربي. قد يدفع ثمنها لقرون عدة. خاصةً أن هذا المخطط ليس نهائياً. بل حلقة ضمن سلسلة طويلة لتفتيت العالم العربي.

ما جذور مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟

في الواقع إن مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يعد مخططاً قديماً. فجذوره الأولى تعود لفترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م. وجرت محاولات للتهجير بعد نكسة حزيران عام 1976م. ولاحقاً بعد حرب أكتوبر / تشرين عام 1973م سعت إسرائيل للضغط على سكان القطاع لدفعهم للهجرة. من خلال الضغط الاقتصادي والأمني عليهم.

أما في تسعينيات القرن الماضي فقد بدأ المخطط الإسرائيلي في اتخاذ منحًى جديد. من خلال بناء 21 مستوطنة في غلاف القطاع. مع تشديد الحصار على قطاع غزة. الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007م.

بالطبع أدى الحصار إلى خنق اقتصاد غزة. وإضعاف خدمات الرعاية الصحية بشدة. وخلق ارتفاعاً حاداً في معدلات البطالة والفقر. وفي أغسطس 2019م وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة لتعزيز الهجرة الدائمة للفلسطينيين من غزة. تتضمن مبادرات لدول أخرى لقبول المهاجرين الفلسطينيين مقابل تغطية إسرائيل للتكاليف.

دوافع ومبررات تهجير سكان غزة

في الحقيقة تعد المقاومة الفلسطينية عقبةً رئيسةً أمام استقرار إسرائيل. وأمام تنفيذ مشاريعها الاستيطانية على حدود القطاع. كما أن نسبة الخصوبة المرتفعة لدى الفلسطينيين والتي تفوق نظيرتها لدى الإسرائيليين تشكل خطراً ديمغرافياً على المشاريع الإسرائيلية في فلسطين.

إن حل القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل لا يمكن أن يتم في ظل وجود ثقافة المقاومة لدى سكان القطاع. وهذه القضية لا يمكن معالجتها إلا من خلال إفراغ القطاع من سكانه. ما يشكل مبرراً رئيساً للتهجير من وجهة النظر الإسرائيلية.

من جهة أخرى فإن المشروع الأمريكي لربط الهند بالشرق الأوسط فإسرائيل ومنها إلى أوروبا لا يمكن أن يتم في ظل وجود الفلسطينيين في القطاع. وهو ما يبرر المخطط الإسرائيلي بمباركة أمريكية.

حالياً تشكل الحرب على قطاع غزة فرصةً لتنفيذ المخطط. من خلال تصعيد العمل العسكري واستهداف المدنيين بشكل مباشر. وتدمير البنية التحتية. ما يشكل ضغطاً على الفلسطينيين للهجرة. وإجبار من تبقى منهم على طلب اللجوء لمصر. والفرار لسيناء بمجرد السماح له بذلك.

لماذا ترفض مصر المخطط الإسرائيلي؟

من جانبها ترفض القاهرة أي محاولات لإجبار الفلسطينيين على ترك أراضيهم والهجرة إلى سيناء أو أي مكان آخر. لأن هذا سوف يفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها. كما أن تهجير أهالي غزة لسيناء قد يتبعه تهجير آخر لسكان الضفة الغربية إلى الأردن.

كما تخشى مصر من أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء قد يحول شبه الجزيرة إلى مركز للعمليات ضد إسرائيل. وهو ما يهدد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. فحين تتحول سيناء إلى قاعدة عمليات ضد إسرائيل. سيكون انتقام الأخيرة ضدها.

من يدفع فاتورة المخطط الإسرائيلي؟

إنَّ مخطط التهجير يتطلب تكلفةً كبيرةً. قد لا تستطيع إسرائيل تحملها بمفردها. خاصةً أن الضغوط الغربية على مصر لاستضافة اللاجئين تأتي في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من ضغوط بسبب التضخم وتراجع قيمة الجنيه المصري.

أما في حال موافقة مصر على استقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزة فهذا يعني أن مساعدات دول الخليج للقطاع سوف تتجه إلى مصر. إضافةً إلى مساعدات مالية إضافية ضمن صفقة التهجير. فضلاً عن إسقاط بعض الديون عن الدولة المصرية. وتيسير شروط صندوق النقد الدولي. والإشادة ببرامجها الاقتصادية. لمنحها الفرصة للحصول على مزيد من القروض من الشركاء.

علاوةً على ذلك فإذا سمحت مصر بدخول بعض الفلسطينيين. فإنه من المتوقع أن تتضاعف المساعدات الإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين ثلاث مرات. وستذهب جزئياً إلى مصر. مع إمكانية تقديم مساعدات إضافية. وهذه الحوافز الاقتصادية تهدف لدفع مصر للموافقة على المخطط.

المخطط والأمن القومي العربي

بالطبع في حال نجاح المخطط الإسرائيلي فستكون نهاية حتمية للقضية الفلسطينية. وستكون مدخلاً لتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن. وإقفال ملف اللاجئين الفلسطينيين إلى الأبد. كما سيعني خطراً قومياً على الدول العربية المجاورة لإسرائيل.

في النهاية إن مخطط التهجير يشكل أخطر ما يواجهه العرب حالياً. ما يتطلب منهم الرفض التام له. والعمل على إفشاله. ومن المتوقع أن تزداد الضغوط الغربية لتنفيذه. وهو ما سيقود لتوتر إضافي في المنطقة. كل هذا يتطلب موقفاً عربياً حاسماً. وهو ما يبدو هشاً على المستوى الرسمي على خلاف المستوى الشعبي.

شَارِك المَقَال