يعتقد البعض أن علم الاقتصاد علم مجرد لا يُمكن إكسابه الصبغة الدينية. كأن يكون هناك اقتصاد إسلامي أو مسيحي أو بوذي. وأنه علم بشري محايد مثل علوم الطب والفضاء والهندسة وغيرها. وأن الاعتقاد بوجود اقتصاد ذي صبغة دينية ليس أكثر من وسيلة لخداع الناس واحتكار أموالهم تحت مسميات دينية. والسؤال هنا: هل يتشابه الاقتصاد الإسلامي في جوهره مع الاقتصادات الوضعية؟
ما علاقة الإسلام بتنظيم الحياة البشرية في جميع جوانبها؟
في الحقيقة إن الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن ديناً سماوياً يهدف لإقامة شعائر روحانية فقط. بل جاء لتنظيم الحياة البشرية في جوانبها العامة والخاصة من زواج وميراث وتجارة. وغيرها مما يرتبط بغايات الاستخلاف البشري ودون ضبطها سيعيش البشر حياة الغاب.
لذلك تناولت الشريعة الإسلامية أصولاً عامة وخاصة وقواعد ضابطة للسلوك الإنساني بما فيه السلوك الاقتصادي. لأنه أساس للتعامل بين الأفراد بعضهم البعض. فنجد أحكاماً تفصيلية للبيع والشراء والمشاركة والإجارة والاقتراض والميراث وغيرها. حتى يُرفع الظلم ويسود العدل وتنصلح أمور البشر.
إن الاقتصاد الإسلامي علم ديني-دنيوي يبحث كل ما يتعلق بالثروة والمال والتكسب والتملك والإنفاق. بالإضافة إلى التوفير والادخار وقضايا الإنتاج والاستثمار والانتفاع والخدمات ومسائل الغنى والفقر. لكن في ضوء الأصول الشرعية الإسلامية والقواعد الكلية التي وردت في المنظومة القيمية الإسلامية.
لا يمكن القول إن الاقتصاد الإسلامي نسخة أصلية من الاقتصادات الوضعية مع تغيير المسميات. بل هو قواعد منظمة للأنشطة الاقتصادية الفردية والمجتمعية استناداً لأصول العقيدة الإسلامية القرآن الكريم والسُنة النبوية والاجتهاد الفقهي. فلا يُشبه الاقتصاد الليبرالي أو يستقي منه مبادئه.
استقاء مبادئ الاقتصاد الإسلامي من العقيدة الراسخة يجعلها ثابتة إلى حد كبير لا تتغير بمرور الزمن. فأحكام الربا مثلا لم تتغير منذ نزلت وحتى الآن. على عكس الاقتصادات الوضعية الليبرالية أو الاشتراكية.. التي وضعها البشر. حيث توجد منها نماذج مختلفة في قواعدها من دولة لأخرى وفترة لأخرى.
تتأثر النظم الاقتصادية الوضعية بالمبادئ الأيديولوجية التي ينتهجها الأفراد والسلطة الحاكمة. سواءٌ أكانت برجوازية أو شيوعية أو اشتراكية أو تعاونية. بالتالي مبادئها غير ثابتة أو مستقرة بل دائمة التغيير والتبديل لتتناسب مع دولة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر. ولذلك تتصف بالتناقض والنقص.
يرتبط الاقتصاد الإسلامي بالجوانب الروحانية والأخلاقية. أحكامه تُرسِخ للقيم الحميدة مثل الصدق والأمانة والعدل في كافة الأنشطة الاقتصادية. ولا يهتم فقط بتحقيق الربح وتنمية الثروات دون اعتبار للضوابط الأخلاقية بين الأفراد كما يحدث في الأنظمة الوضعية المستندة للفصل بين الدين والحياة.
مبادئ الاقتصاد الإسلامي تقوم على مقومات شرعية هدفها إقرار العدل والتكافل الاجتماعي بين الناس. بعكس النظم الوضعية مثل الرأسمالية والاشتراكية التي تسبب خللاً بيناً في المعاملات الاقتصادية بين الناس. بما يؤدي لتكدس الثروة في يد مجموعة قليلة تسيطر على مقدرات الدولة دون الآخرين.
يعمل الاقتصاد الإسلامي على خلق سوق طاهرة. حيث يُحرّم الربا والغرر والجهالة ويرفض التدليس والمقامرة والاستغلال. وغيرها من صور البيوع التي تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل. بينما يستند النظام الرأسمالي مثلاً لحرية السوق المطلقة دون ضوابط لمنع الاحتكار وغيره من الممارسات السلبية.
ينخرط الاقتصاد الإسلامي في الواقع ويراعي تطور ظروف الحياة. فلا يُنكر استخدام الأساليب الحديثة في تحقيق المقاصد الشرعية بشرط أن تكون مشروعة. وقد تتشابه الأساليب في النظام الإسلامي مع النظم الوضعية لكنه يركز على مشروعية الغاية والأسلوب. بينما لا تهتم الأخرى بمبدأ المشروعية.
الأصل في النظام الاقتصادي الإسلامي الملكية الخاصة. وتكون حمايتها ودعمها للنماء مسؤولية الدولة. ويلتزم الأفراد بسداد ما عليهم من حقوق نظير هذه الملكية في صورة زكاة وصدقات وجزية وخراج وغيرها. كما توجد الملكية العامة لكن بضوابط ولتحقيق مقاصد معينة لا يمكن للقطاع الخاص الوفاء بها.
النظام الرأسمالي الأصل فيه الملكية الخاصة والحرية الفردية الكاملة في تسيير الأعمال وامتلاك وسائل الإنتاج. وتكون الملكية العامة في أضيق الحدود. وتحصل الدولة على ضرائب ورسوم عادةً ما تكون مرتفعة. فيتم انتقادها كونها تشجع الممارسات الاستغلالية وعدم المساواة بين الطبقات الاجتماعية.
النظام الاقتصادي الاشتراكي الأصل فيه الملكية العامة ومركزية القرار وسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج. وتحصل الدولة ضرائب ورسوماً منخفضة. لكن إلغاء الملكية الخاصة أو تقييدها يؤدي لقتل الحافز على الإنتاج والإبداع. إذن فالملكية في الإسلام في وضع معتدل بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي.