شَارِك المَقَال

 

تُعْتَبَر #العُمُلات_الرَّقْميّة الشَّكْل الأَحْدَث مِن #النُّقُود، ويَزْداد مُعَدَّل انْتِشارها لا سيَّما في ظِلّ قَبُول العَديد مِن الحُكُومات التَّعامُل بها، وأَدَّى هذا الانْتِشار والقَبُول لِزيادة أَعْدادِها، ففي الوَقْت الحاليّ يُوجَد أَكْثَر مِن 2,000 عُمْلة، وفي ظِلّ هذا الانْتِشار يَبْرُز العَديد من الدَّعَوات للاسْتِثْمار في هذه العُمُلات، فما هي وُجْهة النَّظَر الاقْتِصاديّة لهذه الدَّعْوة وهل هي مُجْدية؟

 

يَحْمِل أَيّ اسْتِثْمار جُزْءًا مِن الخُطُورة، تَتَناسَب مَع نِسْبة العَوائِد المُتَوَقَّعة، ولَكِن فيما يَخُصّ #العُمْلة_الرَّقْميّة، هَل مِن المُمْكِن إِسْقاط هذا المَبْدَأ، إذ تُعْتَبَر العُمُلات الرَّقْميّة شَديدة التَّذَبْذُب، فالعَوائِد -في حال وُجُودِها- لا تَتَناسَب مَع مُسْتَوَى الخُطُورة، لا سيَّما أَنّ الخَسارة في هذا الاسْتِثْمار قَد تَأْتي على المَبْلَغ المُسْتَثْمَر بالكامِل.

 

تُعْتَبَر #عُمْلة_البتكوين و #XPR والمُسَمّاة #الريبل وغَيْرها من #العُمُلات_الرَّقْميّة الشَّهيرة، وحاليًّا تَتَصاعَد الدَّعَوات للاسْتِثْمار في الريبل كَوْن سِعْرها حاليًّا يَبْلُغ 0,5 دُولار، ويَتَوَقَّع البَعْض أَن تَرْتَفِع قيمَتها في السَّنَوات القادِمة لِأَكْثَر مِن 1,000 دُولار، والسُّؤال البَديهيّ هُنا، ما الأُسُس الاقْتِصاديّة الَّتي على أَساسِها تَمّ تَوَقُّع ارْتِفاع قيمَتِها لِأَكْثَر مِن 1,000 دُولار.

 

إنّ التَّذَبْذُب في قيمة #العُمُلات_الرَّقْميّة يَعْتَبِر مَصْدَر مُخاطَرة كَبير جِدًّا، ف #الِبتكوين على سَبيل المِثال بَلَغَت قيمَتُه عِنْد إِصْدارِه 3,000 دُولار، وارْتَفَع لاحِقًا ليَصِل ل 20,000 دُولار وانْخَفَض في فَتَرات لاحِقة ل 7,000 دُولار، فالتَّغَيُّر السَّنَويّ يَتَجاوَز أَحْيانًا 1,800%، فهذه المُخاطَرة لا يُمْكِن الاسْتِثْمار في ظِلِّها، فمن شَأْن أَيّ تَراجُع في القيمة أَن يَقْضي على غالِبيّة المَبْلَغ المُسْتَثْمَر.

 

لا بُدّ هنا من تَوْضيح نُقْطة جَوْهَريّة، هل أَيّ إِنْفاق للمال بِهَدَف تَحْقيق مَكاسِب لاحِقة هُو اسْتِثْمار، بالتَّأْكيد لا، ف #الاقْتِصاد لا يَعْتَرِف إلّا ب #الاسْتِثْمار القائِم على اجْتِماع عَناصِر #الإِنْتاج المُتَمَثِّلة في #رَأْس_المال و #العَمَل و #التَّنْظيم، بَيْنَما الإِنْفاق على #العُمْلة_الرَّقْميّة لا يُمْكِن أَن يَكُون اسْتِثْمارًا اقْتِصاديًّا.

 

يُمْكِن تَشْبيه الإِنْفاق على #العُمُلات_الرَّقْميّة بهَدَف تَحْقيق أَرْباح بـ #ضَرْبة_الحَظّ، فهي لَيْسَت اسْتِثْمارًا، ويُمْكِن تَشْبيهُها ببَرامِج #النَّصيب الَّتي تُنَظَّم في عَدَد مِن الدُّوَل، والَّتي تَقُوم فِكْرَتها على أَن تَرْبَح مَبالِغ هائِلة أَو تَخْسَر قيمة التَّذْكِرة، مَع اخْتِلاف واضِح يَتَمَثَّل في الفارِق الكَبير بَيْن المَبْلَغ المُنْفَق على بَرامِج النَّصيب والمَبْلَغ المُنْفَق على العُمُلات الرَّقْميّة.

 

بِغَضّ النَّظَر عن وُجْهة نَظَر #الاقْتِصاد للاسْتِثْمار في #العُمْلة_الرَّقْميّة، فهي ذات خُطُورة مُرْتَفِعة للغاية وقد تَنْتَهي بخَسارة أَكْثَر مِن 80% مِن قيمة رَأْس المال، وهنا تَجْدُر الإِشارة أَنّ غالِبيّة #المُسْتَثْمِرين بها هُم من ذَوي الدَّخْل المَحْدُود الَّذين يَرْغَبُون في تَحْقيق عَوائِد كَبيرة وبِفَتْرة قياسيّة، وغالِبًا ما تَنْتَهي بخَسارَتِهِم، وهُم شَديدُو التَّأَثُّر بهذه الخَسارة لِمَحْدُوديّة دَخْلِهم.

 

مِن شُرُوط #الاسْتِثْمار أَن يَكُون مَحَلّ الاسْتِثْمار مادّيًّا ومَلْمُوسًا، بينما في قَضيّة #العُمْلة_الرَّقْميّة لا وُجُود لهذا البُعْد المادّيّ، مِمّا يَجْعَلها أَقْرَب للوَهْم، لا سيَّما أَنّ أَيّ خَلَل إلكْتِرُونيّ أَو قَرْصَنة مَعْلُوماتيّة مِن شَأْنِها إِزْهاق هَذِه العُمُلات، كَما أَنَّها مَجْهُولة المَصْدَر، كُلّ هذا يَجْعَل الاسْتِثْمار بِها أَمْرًا مُنافيًا للمَنْطِق الاقْتِصاديّ.

 

إِضافةً لِرَأْي الاقْتِصاد المُتَحَفَّظ على هذا الاسْتِثْمار، فَإِنّ #الشَّرْع_الحنيف يُحَرِّم الاسْتِثْمار فيها أَيْضًا، فالعَديد مِن الفَتاوَى صَدَرَت بتَحْريم التَّعامُل بالعُمُلات الرَّقْميّة، كَتُرْكيا والسُّعُوديّة ومِصْر وفِلَسْطين وغَيْرِها، ورَأْي الشَّرْع الإِسْلاميّ هُنا مُسْتَمَدّ مِن غُمُوض هذه العُمُلات وعَدَم وُضُوح مُسْتَقْبَلها ولا مَصْدَرها.

 

تُعَدّ مَجالات الاسْتِثْمار من الاتِّساع لدَرَجة مِن الصَّعْب عَدَّها، فَأَيّ شَخْص يَرْغَب في الاسْتِثْمار بإِمْكانه المُفاضَلة بين عَدَد كَبير من الخيارات، فهو غَيْر مُلْزَم لا اقْتِصاديًّا ولا شَرْعيًّا بِالاتِّجاه نَحْو العُمُلات الرَّقْميّة، خاصّة أَنَّها بالِغة الخُطُورة وشَديدة الغُمُوض.

 

شَارِك المَقَال