تعد قضية إعادة أي لاجئ إلى بلده الأم قضية إنسانية وقومية. فمن حق أي إنسان العودة إلى وطنه الأم. وهذا ما ينسحب بشكل مباشر على اللاجئين السوريين في تركيا. فمن حقهم العودة إلى بلادهم. ومن واجب الدولة التركية تسهيل هذه العملية وتقديم كل ما يلزم لنجاحها. هذا وفقاً للمبادئ والأسس النظرية. ولكن من الناحية التطبيقية قد يكون هذا الأمر دونه عقبات عدة. وقد يتحول إلى حالة سلبية أيضاً. والسؤال هنا: هل ينجح مشروع إعادة مليون لاجئ سوري من تركيا إلى سوريا؟
إن سبب اللجوء لم ينتفِ بعدُ. فعلى الرغم من الاستقرار النسبي الذي تشهده مناطق الشمال السوري ومناطق شمال غرب سوريا إلا أنه استقرار نسبي. فالمنطقة ومن الناحية الأمنية مرشّحة في أي لحظة لتصعيد عسكري. ناهيك عن التفجيرات والاختراقات الأمنية التي تعاني منها بشكل مستمر. فاللجوء كان بسبب انعدام الأمان. وحالياً المنطقة غير آمنة كلياً. لذلك يمكن القول بأن مشروع الإعادة قد يكون به مخاطرة على مستوى استقرار اللاجئين.
من ناحية أخرى يعد اللاجئون السوريون خليطاً من غالبية المناطق السورية. فعند البدء بإعادتهم يحتّم الواجب الإنساني إعادة كل شخص إلى البيئة الأم له. أما في حال إعادتهم إلى بيئة أخرى وإن كانت سورية فيكون قد تم تحويلهم من لاجئين إلى نازحين. وهذا لا يشكل حلاً حقيقياً لمشكلتهم بل تخفيفاً لها ليس إلا.
تعد مناطق الشمال السوري عموماً ومنطقة شمال غرب سوريا على وجه الخصوص غير جاهزة اقتصادياً لاستقبال أعداد إضافية من السكان. فالقضية ليست محصورة بتوفير مساكن لهم. فالسكن جزء من المشكلة وليس كل المشكلة. فالفقر في أعلى مستوياته. إضافة لتراجع النشاط الاقتصادي. وتوتر البيئة السياسية والذي يعد عقبة في وجه أي جهود لتحقيق مؤشرات التعافي الاقتصادي المبكر.
لذلك ففي حال إعادة مليون لاجئ إلى هذه المنطقة سيتم تحقيق المزيد من الضغط الاقتصادي عليها وعلى القاطنين الحاليين. لذلك وقبل البدء بإعادة أي لاجئ لا بد من العمل على تحسين الواقع الاقتصادي. بحيث تكون البيئة الاقتصادية قادرة على توفير فرص عمل لهؤلاء اللاجئين العائدين.
إن تجهيز البيئة الاقتصادية في الشمال السوري يعد قضية معقدة ولا تستطيع دولة بمفردها القيام بها. فهي أقرب لعملية إعادة إعمار جزئية. فهي تحتاج لجهد دولي وبمباركة من مؤسسات المجتمع الدولي الرسمية كمجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة. وبمساعدة مؤسسات اقتصادية دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات أخرى كالاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. فهي قضية معقدة وتحتاج لتضافر الجهود الدولية.
تتفرد حالة اللجوء السوري بطول مدتها. فقد جاوز عمرها العقد من الزمن. بينما العديد من التجارب -باستثناء التجربة الفلسطينية- لم تبلغ هذه المدة. لذلك قد يكون من الصعب إسقاط تجارب لجوء قصيرة الأمد على التجربة السورية الطويلة.
ولكن يمكن إسقاط تجارب أخرى وإن كانت بعيدة نسبياً عن تجربة اللجوء. وهي تجربة التبادل السكاني بين تركيا واليونان عقب الحرب العالمية الأولى. فالتبادل السكاني آنذاك تم بمباركة ودعم دولي وبموافقة من حكومتي البلدين. وتم وضع خطط تنفيذية دقيقة وواضحة لضمان تحقيق أفضل شكل للعملية بحيث لا تسبب أيّ ضرر للحكومتين ولا للأفراد المشمولين بعملية التبادل.