تعتبر المقاطعة الاقتصادية إحدى أدوات الضغط التي تمارسها الشعوب والحكومات لتحقيق غايات محددة. ولعل آخرها المقاطعة الإسلامية للمنتجات الفرنسية، ولكن، هل من الممكن أن تكون المقاطعة للدعم وليس للضغط؟ وهل يمكن أن يتم دعم الشعب السوري بـ مقاطعة المنتجات السورية.
مقاطعة المنتجات السورية لا سيما في دول الخليج العربي إحدى الأفكار التي اقترحها مواطنون عرب وسوريون في عدة مناطق عموما وفي دول الخليج العربي على وجه الخصوص. والفكرة من هذه المقاطعة إيقاف تصديرها وبالتالي زيادة عرضها في السوق السورية ممّا يؤدي لانخفاض سعرها وتكون في متناول عموم السوريين.
أثرت الحرب السورية بشكل كبير على الصادرات السورية، فتراجعت لأكثر من 90%. ففي عام 2020 على وجه التحديد لم تتجاوز الصادرات السورية من المواد الغذائية 100 مليون دولار. وهو رقم زهيد للغاية بالنسبة لدولة كسوريا. وسبب هذا التراجع الحاد في الصادرات الغذائية انخفاض الإنتاج الزراعي والعقوبات الدولية.
هنا لا بد من شرح واقع الأمن الغذائي في سوريا، فالأمم المتحدة قدرت نسبة السكان غير الآمنين غذائيًا في سوريا ب 82% من إجمالي عدد السكان. ولكن هل السبب في انعدام الأمن الغذائي هو عدم توافر المواد الغذائية، أم توافرها وارتفاع سعرها، أم الأمران معًا؟
بعض المواد الغذائية في سوريا متوافرة لكن سعرها مرتفع، وهي في غالبيتها مواد محلية كالخضار والفواكه، وهي مرتفعة السعر نسبيًا. ومواد أخرى شحيحة في السوق كالخبز والزيت النباتي وهي مواد مستوردة، فالقمح والزيوت النباتية بأنواعها تعتبر ذات مصدر خارجي في غالبيتها.
و حاليا وفيما إذا تمت مقاطعة المنتجات السورية الغذائية في الخارج. ما الأثر على السوريين، هل سيستفيد المواطن العادي من هذه المقاطعة أم سيتأثر سلبًا؟
في حال تمت مقاطعة المنتجات السورية في الخارج سيزداد عرضها في الداخل بسبب تراجع الطلب عليها في الخارج. مما يحتم انخفاض سعرها نتيجة ارتفاع العرض، وهذا الأمر ممّا لا شك فيه أمر إيجابي. ولكن هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟
غالبية السوريين في الواقع لا يعانون من عدم توافر الخضار والفواكه والألبان والأجبان، فهي متوفرة في السوق. ولكن يعانون من ارتفاع سعرها، وهي مرتفعة بالنسبة لدخل الأفراد. فالأسعار طبيعية ولكن دخل الأفراد هو المتدني بشكل حاد، وغالبية المواد تباع بسعر التكلفة زائد هامش ربح بسيط.
فسعر البطاطا والحليب والبندورة وغيرها لا يتجاوز كل منها ربع دولار، وهي أسعار مقبولة عموما. وربح المزارعين بها منخفض للغاية، ولكن وكما أسلفنا المشكلة الرئيسة في دخل الفرد السوري، فدخل الموظف الحكومي لا يتجاوز 15 دولارًا شهريًا.
إذا تمت مقاطعة المنتجات السورية ستنخفض أسعارها في الداخل، وهذا الانخفاض سيؤدي لخسارة المنتجين وهم هنا الفلاحون والمربون. وبالتالي قد يضطر البعض منهم لهجر الزراعة ممّا سيقلل الإنتاج الزراعي. وفي العام القادم و نتيجة لذلك لن يكون هناك إنتاج في السوق وبالتالي ستتفاقم أزمة السوريين.
تعتبر الصادرات الزراعية حاليا إحدى الموارد الهامة للدولار الداخل إلى مناطق النظام. فانقطاع هذا المورد سيقلل عرض الدولار، وبالتالي ستتدهور الليرة السورية بشكل أكثر حدة، وبالتالي ستنخفض قيمة الأجور و في نهاية المطاف سينعكس الأمر سوءًا على السوريين.
قد يقول قائل هنا بأن الصادرات تدعم النظام في سوريا بشكل أو بآخر، وهذا صحيح، ولكن إذا أردنا الضغط على النظام يجب أن لا نضغط على السوريين معه. إذا ما أمسك مجرم برهينة ما، قد يكون من الحكمة عدم إطلاق النار. فإما أن نصيب الرهينة أو يقوم المجرم بقتلها، فأي تصرف لا بد أن يكون حكيمًا.
نذكر هنا قولًا للمؤرخ الروماني “سويتونيوس” الذي وصف حرب روما مع “حنبعل” قائد قرطاجة أبلغ وصف. فقال: “ربحت روما، ولكن خسر الرومان”، فروما في الحقيقة انتصرت ودمرت قرطاجة، ولكن الشعب الروماني تضرر من انتصار بلاده اقتصاديًا.
ختامًا، و بعد هذه المناقشة والتحليل، يمكن القول بأن مقاطعة المنتجات الغذائية السورية سيدعم السوريين في جانب العرض فقط. ولكن و من جهة أخرى سيؤثر عليهم سلبًا في جوانب عديدة، وبالمحصلة و بناء على ذلك فإن المقاطعة ليست في صالح السوريين.