شَارِك المَقَال

استضافت العاصمة السعودية الرياض مباحثات أمريكية روسية على مستوى وزراء الخارجية؛ ما يُعدّ اتجاهًا جديدًا في العلاقات الدولية، ومستقبلًا جديدًا ينتظر العديد من القضايا الدولية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا ومستقبل الشرق الأوسط، وغيرهما من القضايا الدولية.

 

“ترامب” يخالف العقيدة الأمريكية التي ترى في موسكو العدو الأكبر لواشنطن، وخلال ولايته السابقة تعرَّض لعدَّة اتهامات بشأن دعم “بوتين” له في الانتخابات، إضافة إلى مدحه شخصية “بوتين” عدَّة مرات، لذلك من المتوقَّع أن تكون نتائج المباحثات في صالح روسيا بشكلٍ نسبيّ.

 

أوكرانيا أول الغائبين عن هذه المباحثات، ولعل تأجيل “زيلينسكي” زيارته للرياض كان نوعًا من الاحتجاج على المباحثات، وتصريحه: “لا نريد أن يُقرّر أحد أي شيء خلف ظهورنا… لا يمكن اتخاذ أي قرار بشأن كيفية إنهاء الحرب بدون أوكرانيا”؛ دليل على أن كييف لديها مخاوف من اتفاق ينهي الحرب على حسابها.

 

تصريحات الكرملين بأن موسكو منفتحة على الحوار مع كييف، لكنها تُشكّك في شرعية “زيلينسكي” خاصةً بعد انتهاء مدة ولايته؛ تشير إلى أن روسيا تتحدث بمنطق القوة وتفرض شروطًا للتفاوض، ما يعني أنها حصلت على بعض التطمينات في اجتماع الرياض.

 

أوروبا هي الأخرى قلقة من الاجتماع، خاصةً أنها تخشى تخفيف العقوبات عن موسكو، وبالتالي يتعرَّض أمنها القومي للخطر، كما ترى أن “ترامب” سيتركها وحيدة في مواجهة موسكو، وهو الذي أشار عدة مرات إلى أن أمريكا تدفع أكثر من أوروبا لتمويل الناتو، بالإضافة إلى اتجاهه لفرض رسوم جمركية على أوروبا ما يشير إلى أنه لا يتعامل معها على أنها حليف.

 

إيران من الغائبين كذلك؛ لأن موسكو عليها تقديم تنازلات مقابل تسوية الحرب في أوكرانيا، ويبدو أن طهران ستكون الثمن، من خلال تراجع العلاقات الروسية الإيرانية وتقليص الدعم السياسي الروسي لطهران في مجلس الأمن.

 

الشرق الأوسط بالتأكيد كان حاضرًا في اللقاء، لا سيَّما قضية غزة وسوريا. فيما يتعلق بسوريا، يبدو أنها لم تَعُد ساحة تنافس أو صراع، وذلك بعد سقوط الأسد الهارب، وبالتالي خسارة موسكو موضع قدم لها في المنطقة، والتفاهمات الروسية الأمريكية قد تنعكس إيجابًا على سرعة الاعتراف الدولي بالحكومة السورية وبدء إعادة الإعمار.

 

مستقبل غزة لا يزال غير واضح، لا سيَّما أن أمريكا تطرح مشروعات خطيرة حول تهجير سكان القطاع، لكن هذه القضية قد لا تكون أولوية بالنسبة لموسكو، في حين أنها قضية رئيسة بالنسبة لدول المنطقة ولأوروبا وحتى للصين؛ لأن المخطط يدعم المشروع الأمريكي لربط الهند بأوروبا، ويُهدّد المشروع الصيني “الحزام والطريق”.

 

مباحثات الرياض على الأغلب كانت تمهيدًا لاتفاقيات قادمة، لذلك النتائج المباشرة لها قد تستغرق بعض الوقت للظهور؛ لأنه غالبًا ستتبع هذه المباحثات لقاءات أخرى قد تكون على مستوى القادة.

شَارِك المَقَال