مع بداية الحرب الإسرائيلية الإيرانية؛ بَدَت طهران غير قادرة على الصمود. إيران التي تباهت بنفوذها الإقليمي وقدراتها الدفاعية، وجدت نفسها مكشوفةً وضعيفةً أمام ضربة مُركَّزة. لم يكن هذا الانهيار محض صدفة، بل نتيجة تراكم أخطاء إستراتيجية وعميقة.
الخطأ الأول كان عدم قراءة المشهد الإقليمي والدولي بدقة. طهران لم تُدرك -إلا مؤخرًا- أن قواعد الصراع في المنطقة قد تغيَّرت بشكل جذري، وأن أدواتها -من نظام الأسد إلى حزب الله والحوثيين- تم إنهاكهم أو تفكيكهم، وأصبحوا عبئًا بعد أن كانوا أذرُع قوة.
الخطأ الثاني هو استمرارها بالتعامل مع الغرب بنفس عقلية التفاوض القديمة. تجاهلت أكثر من مرة إشارات واضحة بأنّ العالم لم يَعُد يقبل بسياسة المماطلة. وقد عملت على إطالة أمد المفاوضات دون تقديم تنازلات حقيقية، متوهمةً أن عامل الوقت يخدمها، بينما كان الزمن في المقابل ضدّها.
الخطأ الثالث، والأكثر خطورة، الاختراق الأمني الواسع الذي عانت منه. الضربة الأولى لم تأتِ من خارج حدودها، بل من داخل المنظومة الأمنية والعسكرية، ما يعني أنها كانت مكشوفةً ومُختَرَقة حتى ضمن الدوائر الأمنية الضيقة.
الخطأ الرابع، الفشل في فَهْم التحوُّل النوعي في طبيعة الحروب. لم تدرك طهران أن التكنولوجيا العسكرية الحديثة قد تجاوزت بكثير الصواريخ الباليستية التقليدية. وهنا ظهرت أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الإيرانية عاجزةً أمام الهجمات الدقيقة باستخدام الذكاء الاصطناعي والتفوق السيبراني.
إيران أخطأت كذلك حين افترضت أن الخوف من “الردع الإيراني” سيمنع إسرائيل من مهاجمتها. لكن الردع لا يقوم على السُّمعة فقط، بل على الجاهزية الواقعية. عندما جاء وقت الاختبار، تبيَّن أن كل “قوس النار” الذي شيَّدته كان وهمًا أكثر منه قدرة حقيقية على الرد.
حتى الداخل الإيراني، كان له أن يكون نقطة قوة، لكنّه تحوَّل إلى مصدر ضعف. فالانقسام السياسي، والانهيار الاقتصادي، والغضب الشعبي من السياسات الخارجية، كلها عوامل ساهمت في غياب حاضنة داخلية تقاوم تداعيات الحرب، ما عجَّل بانهيار الجبهة الداخلية.