مشاركة

تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، يُمثِّل لحظة مِفْصَلية في العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة. القرار ليس مجرد خطوة قانونية، بل يَعْكس إدراكًا إستراتيجيًّا بأن المرحلة الحالية تتطلَّب مُقارَبَة دقيقة لتحفيز الاقتصاد السوري للعبور إلى مرحلة الاستقرار الكامل، وهو ما يَنْعكس بشكلٍ مباشر على الاستقرار الإقليمي.

 

رَفْع العقوبات يمنح سوريا فرصة لإعادة الاندماج في النظام الاقتصادي الدولي بعد عَقْد مِن العُزْلة، ويَفْتَح الباب أمام الاستثمار والمشاريع الاقتصادية الضرورية لإعادة الإعمار. لكنّه ليس بمثابة مكافأة؛ بل هو خطوة محسوبة تهدف إلى إعادة التوازن بين الحاجة إلى الاستقرار الداخلي وضرورة فتح قنوات اقتصادية آمِنَة، مع الحفاظ على إطار للرقابة المالية والمحاسبية.

 

السياسة الأمريكية هنا تُتَرجم العلاقة الإستراتيجية المتنامية مع دمشق؛ إذ يُتِيح رَفْع العقوبات عن الدولة ومسارها الاقتصادي للشركات الانخراط في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، في خطوةٍ تَستوعب الإقبال الاستثماري الإقليمي والدولي على سوريا، بوَصْفها فرصة وسوقًا مفتوحًا لنموّ الاستثمارات الأجنبية والمحلية، نظرًا لحاجة الدولة لإعادة الإعمار والتنمية.

 

على الصعيد الإقليمي، يعكس القرار إدراكًا بأنّ استمرار العُزْلة الاقتصادية لسوريا لا يَخْدم استقرار المنطقة. دَعْم بعض الدول لرَفْع العقوبات يُشير إلى أهمية مشاركة سوريا في مسار إعادة البناء والتعافي، بما يُحَوِّل الملفات الاقتصادية من أدوات ضَغْط إلى أداة تعاون إقليمي. هذا الانفتاح المحسوب يمكن أن يُعزّز الاستقرار في الشرق الأوسط، ويَحُدّ من استخدام سوريا كمنطقة نفوذ لجهات خارجية أو كحاضنة للأزمات الأمنية، بما يَخْلق بيئة أكثر قدرة على التعاون مُتعدّد الأطراف.

 

من منظور داخلي، يُشكِّل رَفْع العقوبات اختبارًا لقدرة الحكومة السورية على تحويل الفرصة إلى نتائج ملموسة. تحسين البنية التحتية، وتفعيل الاستثمار، وتنشيط الإنتاج المحلي، وضَبْط السياسات المالية والاقتصادية؛ كلها تحديات تتطلب إدارة رشيدة. القدرة على الاستفادة من الانفتاح الاقتصادي ستُحدّد ما إذا كان رَفْع العقوبات يتحوَّل إلى مسار مستدام للتعافي والتنمية، أم يظل مجرد تغيير شكلي محدود التأثير على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني.

 

القرار يحمل أيضًا رسائل رمزية وسياسية؛ إذ يضع نهايةً لعقوباتٍ استمرَّت لسنوات، ويُشكِّل مؤشرًا على إعادة الثقة الدولية بسوريا. رَفْع «قيصر» لا يَخْدم السوريين فقط، بل يَصُبّ في مصلحة الولايات المتحدة؛ إذ يمكن لسوريا بعد سنوات العُزلة والتحالف مع خصوم واشنطن أن تُصبح عنصر استقرار، وتشارك بفعالية في مكافحة الإرهاب ومنع تدخلات الجهات الخارجية الخبيثة.

 

إلغاء القانون يعكس أيضًا فهمًا دقيقًا لطبيعة السياسة الدولية؛ حيث يتمّ توظيف الاقتصاد كأداة لإعادة إدماج سوريا تدريجيًّا ضمن النظام الدولي، بينما تُبْقِي الولايات المتحدة على مُراقَبة شديدة لملفات الأمن. الجمع بين الانفتاح الاقتصادي والضوابط الأمنية يُمثِّل صياغة متوازنة، تَسْمح بتحفيز النموّ مع إدارة المخاطر، وتَمنح السوريين الفرصة لإعادة بناء مؤسساتهم واقتصادهم بشكلٍ عقلاني ومدروس.

 

في النهاية، يُعيد إلغاء “قانون قيصر” الثقة الدولية والتعامل مع سوريا كمسار قابل للبناء والتطوير، وليس ملفًا معزولًا. نجاح هذه المرحلة يَعتمد على قُدرة الحكومة السورية على إدارة الانفتاح الداخلي، وضبط السياسات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي؛ ليصبح رَفْع العقوبات مسارًا مستدامًا للتعافي والنمو، وليس مجرد حدث سياسي عابر.

مشاركة