بعد ثلاثة شهور على الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض عقوبات غربية على الاقتصاد بهدف الضغط على موسكو لإيقاف الغزو. يبدو أن هذه العقوبات لم تثمر حتى الآن. فلم تتوقف العملية العسكرية. وما تزال المؤشرات الاقتصادية الروسية تبدو إيجابية. فإلى متى يستطيع الاقتصاد الروسي الصمود في وجه العقوبات الغربية؟
يبدو الاقتصاد الروسي متماسكاً. فالروبل الروسي حقق مكاسب ملحوظة. وسجل أفضل أداء للعملات في العالم هذا العام. وقيمته الحالية تفوق نظيرتها قبل الحرب. والحساب الجاري حقق أفضل قيمة له منذ عام 1994م. فالفائض في الحساب الجاري بلغ 95,8 مليون دولار في الربع الأول من العام الحالي.
من حيث ظاهر المؤشرات الاقتصادية يبدو الاقتصاد الروسي متعافياً. ربما بسبب ارتفاع أسعار السِّلع التي تُصدّرها روسيا وعلى رأسها النفط والغاز والقمح بعد الحرب. ما ساعد الاقتصاد الروسي على التقليل من حدة العقوبات الغربية وتحقيق نتائج عكسية في مؤشرات أخرى؛ بحيث استفاد الاقتصاد الروسي.
يعتمد الاقتصاد الروسي على إيرادات النفط والغاز، والتي تشكل 16% من الناتج المحلي الإجمالي و52% من إيرادات الموازنة العامة و70% من إجمالي الصادرات. فالنفط والغاز عصب الاقتصاد الروسي الذي لم يتأثر حتى الآن بالعقوبات، بل على العكس استفاد من تبعات الحرب المتمثلة بارتفاع أسعار صادراته.
إن الاقتصاد الروسي سيبقى صامداً ما دامت إيرادات النفط والغاز تتدفق. وهذا الأمر قد لا يستمر إلى الأبد. فالغرب يدرك تماماً أن صمود موسكو مرهون بتصديرها للغاز والنفط. لذلك يسعى لتجفيف هذه الإيرادات. إلا أن هذا الأمر سيتم على مراحل وقد يتطلب سنوات عديدة.
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء إمدادات الطاقة الروسية بحلول يناير القادم. كما يسعى لفرض حظر على تقديم الأوروبيين السفن والخدمات لنقل النفط الروسي إلى دول أخرى. وذلك رغم معارضة هنغاريا والتشيك التي منحها الاتحاد مهلة حتى 2024م للبحث عن بديل لاحتياجاتها النفطية والامتثال لتنفيذ العقوبات.
كما أن العقوبات التي تفرضها بعض الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا بدأت تؤتي ثمارها بالفعل. ففي سوق الديزل مثلاً التي تعد روسيا مورداً رئيسياً فيه. انخفضت شحنات هذا الوقود في أبريل بنسبة 14% مقارنةً بشهر فبراير. وسط توقعات بزيادة نسبة الانخفاض في مايو عن نظيره في أبريل.
هذه التوقعات بزيادة الانخفاض في صادرات روسيا من الديزل مرهونة بدخول عقوبات الاتحاد الأوروبي حيّز التنفيذ. في ظل المحادثات الأوروبية المنعقدة بشكل مستمر في مايو الجاري. ووجود رغبة حقيقية للتوصل إلى اتفاق بين الدول الأوروبية الكبرى لتسير على نهج الولايات المتحدة في هذا الشأن.
ولن يتوقف الأمر على “الديزل” فقط. فعلى الرغم من تأكيد وكالة الطاقة الدولية على ارتفاع عائدات روسيا النفطية بنسبة 50% منذ بداية عام 2022م الحالي. إلا أنها أعلنت في الوقت ذاته عن تراجع قدرة موسكو على الصمود. بعد انخفاض الإمدادات الروسية بواقع مليون برميل يومياً في أبريل الماضي.
يضاف إلى هذا ما أعلنه مسؤولون ألمان عن عزم بلادهم وقف استيراد النفط الروسي بحلول نهاية العام الحالي. حتى لو أخفقت دول الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق ملزم. كما تراجع استهلاك ألمانيا من إمدادات الطاقة الروسية 12% منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا بعد أن كان 35% قبلها.
يأتي إعلان ألمانيا عن عزمها وقف استيراد النفط الروسي. رغم تحذير الخبراء من تكبدها خسائر تصل لـ240 مليار دولار على مدى العامين التاليين. وذلك في حالة التوقف الفوري عن الاستفادة من إمدادات الطاقة الروسية.
هذا كله مما يؤكد الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الروسي مهما ظل صامداً. فالتحركات الذاتية من كل دولة لها تأثير سلبي لا يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه. فالصمود الروسي وإن ظهر قوياً يرجع لوجود طلب من دول آسيوية على النفط الروسي واستمرار تدفق الغاز إلى أوروبا. أي أن وضع صادراتها النفطية لا يزال مستقراً حتى الآن وبشكل كبير.
لكن مع التحرك الجاد من الدول الأوروبية للبحث عن بديل لروسيا في ظل الضغوط الأوروبية عليها للامتثال للقرار الجماعي. ستنخفض عدد الأسواق المفتوحة أمام صادرات روسيا النفطية. فيؤدي ذلك إلى غلق بعض آبار النفط وزيادة البطالة وإفلاس شركات. وكل ذلك يشكّل ضغطاً قوياً على الاقتصاد الروسي.