يُعدّ مفهوم اقتصاد المعرفة من أحدث المفاهيم الاقتصادية. ويلقى هذا المفهوم انتشاراً واسعاً أفقياً وعمودياً في مختلف دول العالم. وإن كانت الدول التي نجحت بتطبيقه تطبيقاً فعلياً تعد محدودةً نسبياً. وعموماً بات اقتصاد المعرفة مجالاً اقتصادياً حيوياً تفرضه التغيرات الحديثة تكنولوجياً ومعرفياً واجتماعياً. وتعد دولة قطر من الدول التي قطعت أشواطاً مهمة في هذا المفهوم. وإن كانت تحتاج للمزيد من الجهود في هذا المجال.
يُقصَد باقتصاد المعرفة الاقتصاد القائم على إنتاج وتوزيع ونشر واستثمار المعرفة لأغراض اقتصادية. والاستخدام الاقتصادي لتقنيات حديثة كهندسة المعرفة وإدارة المعرفة واستثمار التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم.
يختلف اقتصاد المعرفة عن المفهوم التقليدي للاقتصاد في عدة جوانب. إلا أن الاختلاف الرئيس يتمحور حول قضية الندرة. فالمفهوم التقليدي للاقتصاد يقوم في جوهره على ندرة الموارد ومحدوديتها وأنها تتناقص باستخدامها. بينما اقتصاد المعرفة يمكن تسميته باقتصاد الوفرة. فالإنتاج الفكري والمعرفي يزداد من خلال استخدامه. فأي إنتاج معرفي جديد يعني إنتاجاً اقتصادياً جديداً.
يزداد الاعتماد الدولي بشكل متسارع على اقتصاد المعرفة. سواء على مستوى الحكومات أو الشركات. فالعديد من الدول حققت نجاحات اقتصادية واضحة من خلال الاعتماد على أسس اقتصاد المعرفة. ومنها اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها. وعلى مستوى الشركات تعد غوغل وآبل وسامسونج وغيرها مثالاً واضحاً على الاستثمارات في مجال اقتصاد المعرفة.
تُحقّق الدول في ظل اقتصاد المعرفة معدلات مرتفعة من القيمة المضافة. والتي تركز في جوهرها على الإنتاج البشري المادي والفكري. وبشكل عام يُعد إنتاج القيمة المضافة في ظل اقتصاد المعرفة أكثر جدوى من الاقتصاد الإنتاجي التقليدي. كونه يحقق إنتاجاً مرتفعاً في ظل استدامة متدنية نسبياً للموارد الطبيعية. بينما الاقتصاد الإنتاجي التقليدي يستهلك الموارد الطبيعية بشكل حاد.
يُشكّل اقتصاد المعرفة داعماً رئيساً لبلوغ رؤية قطر 2030. فعلى مستوى ركيزة التنمية البشرية يساهم اقتصاد المعرفة بزيادة كفاءة الموارد البشرية. ويعزز من قدرتها على التعامل مع المستجدات التكنولوجية والاقتصادية والمعرفية. وعلى مستوى التنمية الاجتماعية يسهم اقتصاد المعرفة في بناء مجتمع منفتح على الثقافات الأخرى. وهو ما تركز في الرؤية. فاقتصاد المعرفة يقوم بشكل غير مباشر بتعزيز الانفتاح الثقافي والمعرفي بين الشعوب.
وعلى مستوى ركيزة التنمية الاقتصادية يساهم اقتصاد المعرفة في دعم خطة التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط والغاز. وتحفيز الاستثمار الأجنبي. وبالتالي تحقيق مؤشرات اقتصادية إيجابية على المستوى الكلي والجزئي. وعلى مستوى التصنيف الدولي.
وفيما يتعلق بجهود دولة قطر لتبني اقتصاد المعرفة سعت لتعزيز الاستثمار التكنولوجي كالشراكة مع واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا. فضلاً عن قيام وزارة المواصلات والاتصالات بإطلاق برنامج قطر الذكية “تسمو” عام 2017م. والذي يبلغ قيمته 1.6 مليار دولار. وفي مجال البنية التحتية الرقمية جاءت قطر في المركز الثاني بعد كوريا الجنوبية في نطاق تغطية تكنولوجيا الجيل الخامس.
وفي إطار هذه الجهود تسعى كبرى الشركات التكنولوجية العالمية للاستثمار في قطر. مثل جوجل ومايكروسوفت ومجموعة تاليس الفرنسية. كما تم التنسيق مع الفريق التابع لمنصة جوجل السحابية لضمان توافق القوانين الخاصة بحماية البيانات وبروتوكولات الإنترنت مع أفضل الممارسات الدولية. إضافةً لتنمية وتدريب العنصر البشري لرفع جاهزيته ومواكبته للثورة الصناعية الرابعة. من خلال إبرام العديد من الشراكات مع أبرز المؤسسات التعليمية الدولية الرائدة في المجال الرقمي.
كما عملت على جذب المواهب في المجال التكنولوجي من كافة أنحاء العالم وهيّأت لهم كافة سبل المعيشة عالية الجودة. لتحل في المركز الـ18 ضمن استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إنتر نيشنز” المعنية بشؤون المغتربين حول أفضل الدول وفق مقياس المعيشة للمقيمين. وقد تحسن ترتيبها لترتفع 20 مركزاً في عام 2019م.
من المتوقّع أن يسهم اقتصاد المعرفة بشكل ملحوظ في دعم الجهود الحكومية والشعبية لبلوغ رؤية قطر 2030م. وفي ظل الجهود الحكومية الحالية لتبني هذا المفهوم الاقتصادي الجديد تحتاج الدولة للمزيد من الدعم التشريعي والقانوني. وفي مجال البنية التحتية التكنولوجية. وذلك لدعم هذا التوجه الاقتصادي.