تعد الانتخابات التركية المرتقبة الحدث السياسي الأهم في تاريخ تركيا الحديث منذ إعلان الجمهورية. فنتائجها قد ترسم مستقبل تركيا. وتحدد تعاملها مع الملفات الإقليمية والدولية. ما يجعل منها حدثاً إقليمياً ودولياً. فليس من قبيل المبالغة القول بأن نتائج الانتخابات ستسهم في رسم الخارطة الاستراتيجية في المنطقة.
في الحقيقة تحظى الانتخابات الرئاسية التركية بأهمية إقليمية ودولية. نظراً للقضايا التي يرفعها المرشحون. فالتعامل مع قضية اللاجئين تحظى باهتمام الدول الإقليمية والاتحاد الأوروبي. وذات الأمر ينسحب على قضية أمن الحدود وتصدير السلاح والإرهاب والعلاقات مع اليونان وغيرها من القضايا. وهذا ما يجعل العالم أجمع يترقب النتائج.
في الواقع يعد الأمن القومي وقضاياه أوضح في البرنامج الانتخابي لأردوغان. فهو يتناول هذا المحور بوضوح وشفافية. بينما تركز المعارضة على تغيير سياسات العدالة والتنمية دون الدخول في تفاصيل دقيقة وواضحة حول هذه القضايا. فالمحور الداخلي شغل الجزء الأكبر من برنامجها على حساب الأمن القومي والعلاقات الخارجية.
تعد قضية اللاجئين من أهم القضايا التي تم التركيز عليها. ولكن أهميتها الانتخابية تراجعت. لكونها لم تعد ورقة ضغط كافية على حزب العدالة والتنمية. خاصةً أن الحكومة التركية طرحت العام الفائت مشروع إعادة طوعية لمليون لاجئ سوري. كما أن المباحثات التركية مع حكومة الأسد تصب في إعادة اللاجئين.
من هنا يختلف التعامل مع قضية اللاجئين بين العدالة والتنمية والمعارضة. فالأول يطرح فكرة دعم الإعادة الطوعية لهم. بينما تطرح المعارضة فكرة إعادتهم خلال عامين. دون التطرق لكون العودة طوعية أم قسرية. وهذه النقطة بالتحديد تثير قلق الاتحاد الأوروبي. كون العودة القسرية قد تدفع باللاجئين إلى أوروبا.
كما أن العلاقات الخارجية كانت محوراً مهماً في البرامج الانتخابية. فالعدالة والتنمية يركز على تعزيز الحضور الدولي والإقليمي التركي. بينما يلمح تكتل المعارضة إلى التعهد بالتراجع عن سياسات أردوغان الخارجية. وعدم التدخل العسكري في قضايا الإقليم. وهذا ما يعني احتمال سحب القوات التركية المنتشرة بالخارج حال فوز المعارضة.
بالطبع قضية أمن الحدود كانت حاضرةً في البرامج الانتخابية. وقد قالها كمال كليتشدار أوغلو بشكل صريح: “لن تكون معابرنا وحدودنا مثل خان عابر السبيل”. وتناول برنامج المعارضة أيضاً الحوار مع الدول المعنية بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. ومعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
من جهة أخرى غابت بعض القضايا المهمة عن برنامج المعارضة. مثل قضية الأكراد وحزب العمال الكردستاني وقضية الإرهاب. وهذه النقاط تناولها برنامج العدالة والتنمية. كما تناول رفع صادرات الصناعة الدفاعية إلى 15 مليار دولار. وتدشين أول حاملة طائرات مسيرة في العالم.
بالإضافة إلى ذلك تناولت البرامج الانتخابية للمرشحين قضايا أخرى بشكل صريح أو بالتلميح. منها قضايا الغاز المستكشف. ودور رئاسة الجمهورية في رسم السياسات العامة للبلاد. ودور السلطات التنفيذية والتشريعية الأخرى.
من المتوقع أن تؤثر نتائج الانتخابات بشكل مباشر على شكل الدولة التركية ووظائف أجهزتها التنفيذية والتشريعية. ما ينعكس بالضرورة على العلاقات الخارجية وعلى عناصر الأمن القومي. ففي حال فوز أردوغان فمن المتوقع أن يتم إجراء تعديلات بسيطة على صلاحيات رئيس الجمهورية. ولكن لا ترقى لأن تكون تغييراً جذرياً.
أما في حال فوز المعارضة فمن المتوقع أن يتم تقليص الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية. مع العودة للنظام البرلماني وزيادة صلاحيات نواب الرئيس. وتوقف العديد من قرارات الرئيس على موافقة البرلمان. كما سيتم إلغاء مكاتب ومجالس السياسات العائدة لرئاسة الجمهورية. وتحديد ولاية الرئيس بسبع سنوات لمرة واحدة فقط.
في النهاية يبدو شكل الدولة ووظائف مؤسساتها مختلفاً بشكل حاد بين برنامج العدالة والتنمية والمعارضة. وهنا لا يمكن الادعاء بأن أحد الشكلين أفضل من الآخر. فلكل منهما سلبياته وإيجابياته. فالنظام الرئاسي يمتاز بمرونة عالية وسرعة تحرك وتجاوب مع المتغيرات الدولية. بينما يمتاز النظام البرلماني بمشاركة سياسية داخلية عالية المستوى.