آمال إسرائيل في تدشين حقبة جديدة من الازدهار الاقتصادي تلاشت أمام صواريخ المقاومة. ولعل الخسائر التي مُنِي بها الاقتصاد الإسرائيلي تفوق في تأثيرها الخسائر العسكرية. كون الخسائر الاقتصادية ستبقى آثارها بعد انتهاء الحرب. وقد تستمر لسنوات. وهو ما يعزّز من فكرة أن الحرب الحالية هي أخطر ما واجهته إسرائيل منذ عقود.
في البداية يُقصد بالخسائر الاقتصادية المباشرة تلك الناجمة عن الأعمال العسكرية. وعلى الرغم من أهمية هذه الخسائر إلا أنها أقل حدة وتأثيراً من نظيرتها غير المباشرة. ففور توقف الحرب ستتوقف هذه الخسائر.
في الحقيقة تشمل الخسائر الاقتصادية المباشرة عدة جوانب. أولاً: نقص القوى العاملة. حيث أدت تعبئة 360 ألف جندي احتياطي وإجلاء 250 ألف إسرائيلي من منازلهم إلى تضرر العديد من الشركات الإسرائيلية. فأصبحت المطاعم والمحلات التجارية فارغة. كما تضررت المزارع المجاورة لقطاع غزة نتيجة ترحيل 46 ألف عامل فلسطيني.
ثانياً: تسبب قصف حركة حماس المتواصل للأراضي المحتلة إلى تضرر العديد من الشركات. وهو ما ألزم الحكومة الإسرائيلية بتوفير منح بقيمة مليار دولار للشركات المتضررة.
ثالثاً: تضرر القطاعات الحيوية. فقطاع النقل الجوي سجل خسائر حادة. كما تم إغلاق حقل تمارا للغاز الطبيعي. والذي وصل إنتاجه عام 2022م إلى 10,25 مليار متر مكعب. وهو ما قد يكلف إسرائيل خسارة 200 مليون دولار شهرياً.
رابعاً: انخفاض معدلات السياحة. حيث عانى القطاع مع بدء موسم الذروة التقليدي في أكتوبر وديسمبر من كل عام. حيث تم إلغاء بعض الرحلات السياحية لمدة تصل إلى عامين. وسط مخاوف من أن يؤدي الغزو الانتقامي لغزة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.
خامساً: تكاليف الحرب. وفقاً لتقرير بنك الاستثمار الإسرائيلي ستبلغ تكاليف العملية العسكرية بدون التدخل البري أكثر من 6 مليارات دولار. في حال استمرت الحرب لمدة شهرين. وأما في حال التدخل البري فستتجاوز التكلفة 17 مليار دولار. ما يعادل 3,5% من إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي.
على الرغم من أن الخسائر الاقتصادية غير المباشرة قد لا تبدو حادة حالياً. إلا أن تأثيرها السلبي يفوق نظيرتها المباشرة. كونه يستمر لسنوات وربما لعقود. وهو ما سيؤثر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي.
تشمل الخسائر الاقتصادية غير المباشرة عدة عناصر. أولاً: انخفاض توقعات نمو الاقتصاد الإسرائيلي. فقد خفض البنك المركزي الإسرائيلي توقعاته للنمو لعام 2023م إلى 2,3% من 3%. على افتراض عدم استمرار الحرب لمدة طويلة. وفي حال استمرارها سينخفض بشكل أكثر حدة.
ثانياً: تغيير الخطط الاقتصادية الإسرائيلية. فنتيجة الحرب اضطرت حكومة الاحتلال لتوجيه مواردها المالية للتعامل مع الخسائر وإعادة تأهيل الاقتصاد والأمن.
ثالثاً: تضرر قطاع التكنولوجيا. فهو المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي في إسرائيل. ويسهم بنسبة 48% من صادرات إسرائيل. وهو ما يعني تضرر مستقبل هذا القطاع. وخسارة إسرائيل لجهود طويلة في تطويره.
رابعاً: هروب الاستثمارات الأجنبية. والتي تقدر قيمتها بـ28 مليار دولار. وتساهم بـ27% من الناتج المحلي. إضافةً لتضرر صورة الاقتصاد الإسرائيلي كاقتصاد مستقر. ما قد يؤدي لتخفيض تصنيفه الائتماني. وهو ما سيترك آثاراً حادة على مستقبل إسرائيل الاقتصادي.
في النهاية إن الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية خاصةً في ظل استمرار الحرب قد تدفعها لخيارات عسكرية وسياسية ليست في صالحها. وهو ما يعني أن كل صاروخ تطلقه المقاومة يترك أثرين. الأول عسكري والثاني اقتصادي.