مشاركة

“الصين لم تَعُد تُصَنِّع مُنتَجَات فقط، بل أصبحت تُشارك في بناء قواعد اللعبة”؛ هذه العبارة تختصر واقع المعادن النادرة اليوم، بكين تسيطر على 70% من الإنتاج العالمي، و90% من المُعالَجة، وهذا يمنحها نفوذًا اقتصاديًّا وتقنيًّا.

 

المعادن النادرة ليست نادرة بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هي موجودة في دول كثيرة من أستراليا إلى كندا والبرازيل، لكنّ الصين اشتغلت عليها لعقودٍ، طوَّرت تقنيات استخراجها ومعالجتها، وأسَّسَت بِنْيَة تحتية ضخمة، حتى أصبحت منافستها في هذا المجال صعبة.

 

ولكن، كيف وصلت الصين لهذه المرحلة؟

خلال تسعينيات القرن الماضي، وبينما كان الغرب مشغولًا بالصناعات الخفيفة والخدمات؛ دخلت الصين سوق المعادن النادرة بهدوءٍ، وسيطرت على مناجم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأنشأت مصانع مُعالَجة ضخمة.

 

اليوم، أيّ شركة تكنولوجيا بالعالم، من أبل إلى تسلا، تعتمد بطريقةٍ أو بأخرى على المعادن النادرة الصينية، من الليثيوم للكوبالت، وغيرهما. أمريكا وحدها تستورد 74% من احتياجاتها عبر سلاسل إمداد صينية.

 

هنا بدأ ترامب سباقه مع الزمن، ينتقل من بلدٍ إلى آخر؛ ليَفُكّ القبضة الصينية، من أستراليا إلى أوكرانيا والبرازيل، يبحث عن بدائل لسلسلة إمداد صارت عَصَب الحياة اليوم.

 

البداية كانت من أستراليا، التي وقَّع معها اتفاقًا بـ85 مليار دولار لتطوير مناجم جديدة، وبناء منشآت مُعالَجة حديثة، وإنشاء مراكز بحث مشتركة لتطوير تقنيات استخراج أنظف وأسرع.

 

والسؤال الآخر: هل أستراليا وحدها تكفي؟

الحقيقة، لا، لذلك فَكَّر ترامب في أوكرانيا التي تملك احتياطيات تَقترب من 26 تريليون دولار، أغلبها بمناطق السيطرة الروسية، ولكن توجد هناك تعقيدات سياسية وعسكرية كبيرة.

 

ولذلك توجَّه مرة أخرى نحو البرازيل التي تملك ثاني أكبر احتياطي نيوبيوم بالعالم. واستغل الرئيس البرازيلي “لولا”، هذه الورقة، وضَغَط بشروط تفضيلية مقابل تأمين الإمدادات للسوق الأمريكية.

 

ومع ذلك، فإنّ أيّ اتفاق مع أستراليا أو البرازيل لن يُغيِّر المعادلة؛ لأنّ بناء منشأة معالجة كاملة يحتاج بين 8 و12سنة، وهذا يعني أن أمريكا ستظل مُعتمِدَة على الصين حتى منتصف 2035 على الأقل. ومع هذا ترامب مستمر في البحث وعقد الاتفاقات مع الشركاء؛ لأنه يُدرك أنّ كل تأخير يعني تبعيةً أعمق لبكين.

 

في المحصلة، المستقبل التكنولوجي والعسكري صار مربوطًا بمعادن مدفونة بالأرض، والصراع عليها يرسم خريطة نفوذ جديدة للعالم.

مشاركة