لا تقتصر نتائج الحرب على قطاع غزة على الجانب الإنساني. فالاقتصاد العالمي سيكون في مرمى نيران الحرب وكذلك الاقتصاد الإسرائيلي. فالاقتصاد العالمي مرشح في حال استمرار الحرب وتوسعها للدخول في حالة ركود. وكذلك الاقتصاد الإسرائيلي الذي قد تعيده الحرب سنوات إلى الوراء.
بالطبع يعد الاقتصاد الإسرائيلي أول ضحايا الحرب. فقياساً على الآثار الاقتصادية للحروب الإسرائيلية السابقة. من المتوقع أن تصل تكلفة الحرب إلى 27 مليار شيكل أو 1,5% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ما تعززه التقارير الاقتصادية عن الحروب السابقة. فعلى سبيل المثال: كلفت حرب لبنان الثانية إسرائيل 9,4 مليار شيكل أو 1,3% من الناتج المحلي.
تظهر الآثار الاقتصادية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال عدة مؤشرات. أولها: تخفيض البنك المركزي الإسرائيلي من توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2,3% في عام 2023م و2,8% في عام 2024م. بانخفاض عن الرؤية السابقة البالغة 3% لكلا العامين. مع فرضية اقتصار الحرب على قطاع غزة فقط.
الثاني: انخفاض الشيكل بنسبة تصل إلى 6% ليبلغ سعره 4 شيكل مقابل الدولار. إضافةً لمعاناة قطاع الأعمال من نقص الموظفين. حيث استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ألف جندي احتياط للخدمة العسكرية. مما ترك الشركات على حافة الخطر.
الثالث: انخفاض المعروض من السلع. حيث أدى مزيج من تعطل التوزيع وارتفاع نسبة تخزين السلع إلى زعزعة قدرة المتاجر على مواكبة الطلب. مع نقص في المنتجات الغذائية بسبب انخفاض القوى العاملة في القطاع الزراعي. حيث إن العديد من عمال المزارع يأتون من غزة.
الرابع: التأثير على صناعة التكنولوجيا في إسرائيل. فمع استدعاء ما بين 10- 15% من موظفي شركات التكنولوجيا الشباب في إسرائيل للخدمة الاحتياطية. أصبح مستقبل المشروعات التكنولوجية يواجه تحديات كبرى. وقد يكون لهذا الأمر تأثير هائل على صناعة التكنولوجيا.
علاوةً على ذلك تقع منشأة التصنيع الضخمة التابعة لشركة إنتل الأمريكية. والتي توفر جزءاً كبيراً من معالجات الكمبيوتر في العالم. في منطقة كريات جات القريبة من حدود غزة. والتي تعد أحد أهداف حركة حماس في هجماتها ضد إسرائيل.
الخامس: انخفاض معدلات السياحة على الفور. حيث عانى القطاع مع بدء موسم الذروة التقليدي في أكتوبر وديسمبر تزامناً مع بدء الحرب على غزة. حيث تم إلغاء بعض الجولات لمدة تصل إلى عامين من الآن. وسط مخاوف من أن يؤدي الغزو الانتقامي لغزة إلى توسع نطاق الحرب في المنطقة.
السادس: توقف حركة البناء في إسرائيل. حيث أغلقت العاصمة تل أبيب العديد من مواقع البناء. وتوقف هذا النشاط وحده كفيل بأن يكلف إسرائيل ما يقدر بنحو 150 مليون شيكل. أي ما يعادل (37 مليون دولار) يومياً.
في الحقيقة تطال تأثيرات الحرب الاقتصاد العالمي الهش أساساً. لا سيما في حال توسع رقعة الحرب. الأمر الذي سيهدد تدفقات النفط من الخليج العربي. وهو ما قد يرفع سعر النفط فوق 125 دولاراً للبرميل. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن أي زيادة بنسبة 10% في أسعار النفط يمكن أن تؤثر سلباً على النمو العالمي بمقدار 0,15 نقطة مئوية.
بالإضافة إلى التأثير السلبي لصدمات أسعار الطاقة على النشاط الاقتصادي. فإن ارتفاع أسعار الطاقة من شأنه رفع معدلات التضخم العالمي. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن زيادة بنسبة 10% في أسعار النفط يمكن أن تؤدي لزيادة التضخم بمقدار 0,2 نقطة مئوية.
الثاني: التأثير السلبي على الاستثمار. فغياب الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يؤثر بدوره على الاستثمار. خاصةً في ضوء تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي العالمي. لا سيما في حال توجه المستثمرين لاستبدال الدولار بالذهب. على اعتبار أن الذهب هو الملاذ الآمن في الحروب.
التأثير الثالث: يتمثل في توقعات النمو الاقتصادي. حيث أبقى صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لهذا العام عند 3 في المائة. وهو أبطأ من التوسع البالغ 3,5 في المائة المسجل في عام 2022م. ويظل أقل من متوسط النمو التاريخي. وبالنسبة لعام 2024م. يتوقع الصندوق أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0,1 نقطة مئوية.
في النهاية هذه الآثار الاقتصادية السيئة من ارتفاع نسب التضخم واضطرابات أسعار النفطـ وضعف نسب النمو. كل هذه المؤشرات وغيرها قد تتضاعف في حال طول مدة الحرب. وفي حال تحولها لحرب إقليمية. وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام أزمات اقتصادية دولية قد تبقى آثارها عقوداً.