على الرغم من الدوافع الأمنية لإسرائيل في حربها على غزة إلا أن التكاليف الضخمة للحرب قد تكون فوق قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على تحملها. وهو ما يعزز من فرضية البعد الاقتصادي للحرب. فما يأمل الاحتلال في كسبه اقتصادياً يفوق ما سيتكبده من تكاليف وخسائر. ولعل الغاز ومشروع الربط بين الهند وأوروبا يعد كلمة السر في هذا الأمر.
في الحقيقة الاقتصاد يقود السياسة. فلكل حرب دوافعها الاقتصادية. فبدءاً من الحروب الصليبية مروراً بالحرب العالمية الثانية. وليس انتهاءً بغزو ليبيا والعراق. كلها حروب بدافع اقتصادي وبستار سياسي. وهو ما ينسحب على الحرب على غزة. فلفهم جوهر الحرب لا بد من البحث في الدوافع الاقتصادية لها.
على الرغم من التهديد العسكري الكبير الذي تشكله المقاومة الفلسطينية على إسرائيل. إلا أن إصرار الأخيرة على الاجتياح البري للقطاع يثير التساؤلات. لا سيما أن الاحتلال غالباً ما يسعى لحسم حروبه جوياً. ولكن في هذه الحرب يصر على الغزو البري. على الرغم من الخسائر البشرية والتكاليف الاقتصادية للغزو.
في اقتصاد الحرب لا يكفي تحقيق النصر العسكري. فزيادة التكاليف عن الغنائم يعد شكلاً من أشكال الهزيمة. وهو ما يعيه الاحتلال جيداً. ولذلك في قراره بالاجتياح البري وعلى الرغم من أن التقارير تشير إلى أن التكاليف ستتضاعف. إلا أنه يأمل بعوائد اقتصادية تفوق التكاليف التي سيتكبدها.
أما فيما يتعلق بتكاليف الحرب الإسرائيلية ووفقاً لتقرير بنك الاستثمار الإسرائيلي. فإن تكاليف التدخل البري سيتجاوز 17 مليار دولار. ما يعادل 3.5% من إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي.
في الواقع تعد المياه الإقليمية الفلسطينية غنية بالغاز. فهناك أكثر من حقل مكتشف. أهمها حقل مارين 2. بمخزون يتجاوز 1,4 مليار متر مكعب. ومخزون نفطي يقدر بـ 1,5 مليار برميل. وعوائد حقل مارين 2 لوحدها تقدر بـ 4 مليارات دولار سنوياً دون احتساب عوائد النفط. وعوائد النفط تقدر بعشرات المليارات.
وفقاً للتقديرات الأولية فإن حقل مارين 2 قادر على تلبية احتياجات السوق الفلسطينية من الغاز. وتوفير جزء للتصدير. لمدة 20 عاماً. أما الحقول الأخرى فهي صغيرة نسبياً. فحقل مارين 1 يبلغ مخزونه الاحتياطي 32 مليار متر مكعب. وهي كمية قليلة نسبياً. ولا تشكل رقماً فارقاً في صناعة الغاز.
تقدر عوائد الحقل الرئيس مارين 2 بـ 30 مليار دولار موزعة على 20 عاماً. وهي تفوق تكلفة الحرب على غزة والمقدرة بـ 17 مليار دولار. لكنها لا تشكل ثروةً حقيقيةً تستحق تحمل الخسائر البشرية وخسارة الرأي العام الدولي. وتضرر القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية.
وفقاً لمعيار الربح والخسارة في البعد الاستراتيجي. لا يشكل الغاز دافعاً حقيقياً ومقنعاً لغزو القطاع برياً. فالفرق بين عوائد الغاز وتكلفة الحرب يقدر بـ 13 مليار دولار. وهذا الرقم ليس بالضخم. ولن تغامر إسرائيل لأجله بدخول حرب ليست محسومة النتائج. وهذا ما يدفع للبحث عن أسباب اقتصادية أخرى غير الغاز.
رداً على المشروع الصيني العملاق “الحزام والطريق” أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مشروعها لربط الهند بدول الخليج العربي بحرياً. ومنها إلى إسرائيل برياً. وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا المشروع من شأنه ربط إسرائيل اقتصادياً بدول العالم.
إسرائيل تنظر للمشروع الأمريكي كفرصة استراتيجية. فهو يربطها اقتصادياً بالدول العربية. ما يعني أنه سيكون مدخلاً للتطبيع مع المزيد من العرب. كما سيكون مدخلاً لتحسين اقتصادها وتحويله لنقطة ربط دولية.
يعد قطاع غزة ممراً إلزامياً للمشروع. لذلك كان لا بد من احتلاله وحتى تهجير سكانه. تمهيداً لتنفيذ المشروع مستقبلاً. والمكاسب الإسرائيلية هنا تعد استراتيجية وطويلة المدى. وهي ما تعد مبرراً لتحمل التكاليف المرتفعة اقتصادياً وسياسياً وبشرياً. وبينما العمر الإنتاجي للغاز لا يتعدى بضعة عقود. فإن مشروع الربط ذو أثر استراتيجي.
مما لا شك به أن إسرائيل ستستفيد من غاز غزة في حال تمكنت من احتلال القطاع. لكنه لا يشكل دافعاً حقيقياً للحرب. بينما مشروع الربط الأمريكي يعد مبرراً حقيقياً للدخول في هكذا مغامرة. فإسرائيل هي الأكثر استفادةً من المشروع. وهو ما يبرر دخولها الحرب وتحملها كل تبعاتها السياسية والبشرية والاقتصادية.