مشاركة

يُعدّ الساحل السوري منطقة إستراتيجية ذات إمكانات اقتصادية كبيرة، تَجمع بين الموارد الزراعية الغنية، المناخ المناسب، وقُربها من البنية التحتية للنقل والموانئ. ورغم هذه المقوّمات، ظلّ الساحل لعقودٍ طويلة مُهْمَلًا على صعيد الاستثمار والتنمية الصناعية؛ حيث ظلَّت مشاريع مثل معامل إنتاج الحمضيات أو الصناعات الغذائية مجرد وعود لم تُتَرْجَم إلى واقعٍ ملموس منذ أكثر من عشرين عامًا. هذا الإهمال انعكس على الأداء الاقتصادي للمنطقة، وأدَّى إلى تضاؤل فرص العمل وتراجع مساهمة الساحل في الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بإمكاناته الحقيقية.

 

الاستثمار في الساحل يُمثِّل فرصة لتعزيز الاقتصاد المحلّي بشكلٍ ملموس. إنشاء معامل متخصصة في المنتجات الزراعية يمكن أن يزيد القيمة المضافة للإنتاج، ويُقلِّل الفاقد في سلسلة الإنتاج، كما يَفتح أبواب التصدير ويَخلق وظائف للشباب. إضافةً إلى ذلك، فإن قُرْب الساحل من موانئ رئيسية يُتيح فرصة لتطوير الصناعات التحويلية وتحسين سلاسل التوريد، ما يُعزِّز القُدرة التنافسية للمنتجات السورية في الأسواق الإقليمية والدولية.

 

ولم يتمّ استثمار الساحل السوري سياحيًّا بشكلٍ جدّي، رغم امتلاكه مُقوّمات طبيعية وجغرافية مميزة، مثل السواحل الخلابة والمناطق الجبلية، التي يمكن أن تتحوَّل إلى مناطق جَذْب سياحي كبير. دول مثل لبنان، تركيا، واليونان، تمتلك مناطق مماثلة جغرافيًّا واستثمرتها بشكلٍ فعَّال في السياحة، ما حقَّق لها إيرادات ضَخْمة وفُرَص عمل واسعة، بينما في الساحل السوري ظلّ هذا القطاع مُهملًا بالكامل، ومن مختلف الجوانب.

 

مع ذلك، الاستثمار يُواجه تحدِّيات متعددة؛ منها: غياب سياسات واضحة، الروتين الإداري الطويل، نقص التمويل، والحاجة إلى تأهيل القوى العاملة؛ كلها عوامل أعاقت تحويل الموارد الطبيعية إلى قيمة اقتصادية فعلية. إضافة لذلك، فإن ضعف التكامل بين القطاعين العام والخاص أسهم في تراجُع المبادرات الاستثمارية الكبيرة، وأبقى المشاريع على نطاق محدود أو عُرضة للركود.

 

وعند مقارنة الساحل مع ريف إدلب، يظهر أن الإهمال كان مُشابهًا، رغم توافر المُقوّمات الاقتصادية والزراعية. فالساحل السوري، إدلب، وبقية الأرياف السورية، كانت مُهمَلَة بشكلٍ مُتعمَّد من النظام البائد، الذي لم يقم بتنمية هذه المناطق الاقتصادية؛ تحقيقًا لأجندات سياسية مُحدَّدة تضمن بقاءه في السلطة.

 

ريف إدلب يمتلك أراضي خصبة وإمكانات إنتاجية كبيرة، لكنّه لم يشهد مشاريع صناعية أو سياحية تُحوِّل الإنتاج الزراعي إلى مُنتَجَات جاهزة للتصدير أو للاستهلاك المحلي. هذا التفاوت يُبرز أنّ غياب رؤية وطنية مُوحَّدة للتنمية أدَّى إلى تأخُّر الاستثمار في المناطق الريفية، سواء في الساحل أو إدلب، ما يجعل من الضروري وَضْع إستراتيجيات متكاملة تجمع بين الاستثمار الصناعي والزراعي والسياحي، مع دعم البنية التحتية والخدمات اللوجستية.

 

إضافةً إلى ذلك، الاستثمار في الساحل له بُعْد اجتماعي هام. توفير مشاريع صناعية وزراعية يُسهم في الحدّ من الهجرة الداخلية للشباب الباحث عن فُرَص عمل، ويُعزّز استقرار المجتمع المحلي. كما أن تفعيل الصناعات الصغيرة والمتوسطة يمكن أن يُحسِّن من مستوى الخدمات العامة من خلال زيادة الإيرادات المحلية، ويخلق نموذجًا للتنمية المستدامة يعتمد على إنتاجٍ ملموس، وليس على المساعدات أو التمويل التقليدي وحده.

 

تتجلَّى أهمية الاستثمار أيضًا في زيادة الناتج المحلي الإجمالي ورفع قيمة الصادرات. فمعامل تجهيز المنتجات الزراعية، ومعالجة الأغذية، وإنتاج المعدات الزراعية يمكن أن تُحوِّل موارد الساحل إلى مُحرّك اقتصادي قوي. إضافةً إلى ذلك، دَعْم هذه المشاريع يُسهم في تنمية القدرات المحلية، ويُعزّز ثقافة الإنتاج والابتكار، ويضع الأساس لتوسُّع الاستثمارات المستقبلية في قطاعات أخرى مثل الطاقة المتجددة، الصناعات التحويلية، والبنية التحتية الحديثة.

 

في النهاية، تظل أولويات الاستثمار واضحة: تحويل الموارد الطبيعية إلى مُنتَجات ذات قيمة مضافة، دَعْم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تطوير القطاع السياحي، وتأهيل البِنْيَة التحتية لتصبح داعمًا للنموّ الاقتصادي. مقارنةً مع ريف إدلب، يظهر أن النجاح يحتاج إلى إستراتيجية وطنية شاملة تَضْمن توزيعًا عادلًا للفُرَص والموارد، وتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة ومستدامة في كلّ المناطق السورية.

 

الاستثمار في الساحل ليس مجرد خيار اقتصادي، بل خطوة إستراتيجية لبناء قاعدة إنتاجية قوية تُعزّز الاستقرار الاجتماعي وتَفْتح آفاقًا حقيقيَّة للنمو المستدام.

مشاركة