شَارِك المَقَال

ليس بالضروري أن يمنع التسلح نيران الحرب بل قد يكون وقودها. يُعيدنا صيف عام 1914 إلى مشهدٍ مُقلقٍ كانت فيه أوروبا على أعتاب كارثة سبقها تسلح محموم واستعراض للقوة في منطقة البلقان. لم يمضِ وقت طويل حتى وقع حادث اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو بتاريخ 28 يونيو من ذلك العام، ليشعل شرارة الحرب العالمية الأولى.

 

واليوم، يُمثل الدفع الأخير للاتحاد الأوروبي نحو إعادة التسلح تغيراً ملحوظاً في الوضع الأمني ​​للقارة بعد الحرب الباردة. فقد أدركت القارة العجوز أنه لم يعد بإمكانها الاعتماد كلياً على البنية الأمنية عبر الأطلسي التي دعمت الاستقرار الأوروبي منذ عام ١٩٤٥.

 

هذا التغير يدعمه تقارب الأنماط التاريخية، والضغوط الجيوسياسية المعاصرة، والقيود الاقتصادية المتغيرة. وبإعلان مبادرة “إعادة تسليح أوروبا” يتأكد وجود اتجاه عام في أوروبا لتعزيز الجاهزية العسكرية وإعادة تحديد موقعها في نظام أمني عالمي متزايد التشرذم.

 

لا يمكن النظر إلى إعادة تسليح أوروبا الآن كظاهرة جديدة تمامًا، بل هو استجابة منطقية لديناميكيات القوة المتغيرة. وقد شهدنا هذا من قبل في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما أثير الجدل حول تسليح ألمانيا الغربية في خمسينيات القرن الماضي، وهو نتاج لبراغماتية الحرب الباردة، وإقرار بأن الأمن لا يمكن أن يظل معتمدًا كليًا على الضمانات الخارجية.

 

تكراراً لمشهد مضى، اجتمع قادة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، في يونيو 2025، وخرجوا بقرارٍ غير مسبوق تصدره تخصيص 5% من الناتج المحلي الأوروبي للدفاع والأمن بحلول 2035، لترتفع وارداتُ أوروبا من الأسلحة بنسبة 155% خلال أربع سنوات فقط.

 

أما السبب وراء زخم التسلح، فالجواب هو الغزو الروسي لأوكرانيا. منذ عام 2022، رأت أوروبا أن الدعم الأمريكي لاستقرارها وأمنها لم يعد موثوقاً فيه، خاصة بعد تضارب تصريحات الرئيس ترامب تجاه كييف.

 

إذاً الافتراضات الراسخة حول الأمن والردع أصبحت بالية. لكن عسكرةَ الاقتصاد بالتأكيد تُغير بوصلة المجتمع. فالقارة التي طالما عرفت بـ”الانفتاح” أُعيد إنتاج الخطاب القومي بها بناءً على قاعدتي “العدو” و”التهديد”، مما يفتح باباً خطيراً لصعود اليمين المتطرف، الذي ينصب نفسه حارساً على الهوية.

 

والسؤال هنا: كيف يمكن لأوروبا أن تحقق التوازن المطلوب في سياسات التسلح لضمان أمنها واستقرارها على المدى الطويل؟

شَارِك المَقَال