حينما يُقدِم أيّ شخص على استثمار ماله في مشروع ما فإنه يأمل تحقيق الربح. وفي الوقت نفسه يخشى الكثير من العوامل التي قد تعطل سير العمل في المشروع أو تخفّض معدل الربح المرغوب به. أو حتى تتسبب في خسارته وتوقفه تماماً. أي أنه يدرك تماماً وجود نسبة من المخاطر أو المجازفة في مشروعه. والسؤال هنا: ما العلاقة بين “العائد” و”المخاطرة” في الاستثمار؟
في الحقيقة ينطوي العمل التجاري على مفهومي “الربح” و”الخسارة”. واللذان يعرفان بمصطلحي “العائد” و”المخاطرة“. ويُقصَد بهما قيام المستثمرين باستثمارات ينطوي عليها عائد متوقع ومخاطرة محتملة. ولذلك فإن الاستثمار والعائد والمخاطرة متلازمون. وأينما وُجد الاستثمار سيُوجد العائد والمخاطرة.
وبصورة أكثر توضيحاً يُعد “العائد” أحد أبرز متغيرات الأعمال الاستثمارية ومرتكزاتها. ومن أهم الأسس التي يستند إليها القرار الاستثماري. وكذلك هو أهم محصلة للاستثمار. كما أنه يحدد معدل الزيادة والنمو في رأس المال المستثمَر حتى يبلغ الثروة التي يطمح لتحقيقها.
من التعاريف الشائعة لـ”العائد” أنه “المكافأة التي يحصل عليها المستثمر تعويضاً عن فترة الانتظار والمخاطر المحتملة لرأس المال”. وهو “التدفقات النقدية المتحقّقة للمستثمر لقاء توظيف رأس المال في المشروع خلال فترة محددة”. إنه حاصل قسمة صافي التدفقات النقدية على الأموال التي ولدته.
أما المخاطرة فهي احتمالية عدم تحقق الربح المتوقع من المشروع الاستثماري وفقاً للخطة الموضوعة مسبقاً. وبالتالي انحراف مؤشر العائد الفعلي المحقق بعد تنفيذ الاستثمار عن توقعات العائد المتوقع من قبل الشروع فيه. وتتحدد درجة المخاطرة بمقارنة العائدين (المتوقع والمتحقق) وتنعدم بتساويهما.
من جهة أخرى فإن المخاطرة تعرّف بأنها “عدم تحقق العائد” و”عدم انتظام العوائد”. والذي يرجع لعدم اليقين الخاص بالتنبؤات المستقبلية. و”احتمال عدم نجاح المستثمر في تحقيق العائد المتوقع على الاستثمار”. و”مقدار التغير في العوائد المتوقعة مستقبلاً بسبب ظروف المشروع الداخلية أو الظروف الخارجة عن سيطرته”.
كما تعرف المخاطرة بـأنها “التغير المحتمل في التدفقات النقدية الحاصلة”. وهي “احتمال الحصول أو عدم الحصول على العائد المتوقع مسبقاً بشكل دقيق”. خلاصة الأمر أنها تنطوي على انحراف العائد المخطط له مسبقاً عن العائد الفعلي المتحقق. فترتبط بعدم اليقين المحيط بنتائج الأحداث المستقبلية.
بصفة عامة من شروط الاستثمار الناجح تحقيق عوائد مرتفعة وتخفيض التكاليف أو المخاطر المرافقة لهذا الاستثمار إلى أقل قدر ممكن. الأمر الذي يتطلب القياس الدوري للعوائد المتوقعة منه ودرجة المخاطر المحتملة التي قد يتعرض لها. بدءاً من مرحلة التخطيط ومروراً بمراحل التنفيذ.
لكن ينبغي الانتباه إلى أن الربح يتناسب عكسياً مع سيولة الأصل. فـ”اكتناز السيولة” وعدم إدماجها في الاستثمار قد يحقق الأمان لكنه يقيد الأرباح. والنجاح هو الموازَنة بينهما وألا يتخطى حجم السيولة حد التحوط من المخاطر حتى لا يتقاطع مع مبدأ المخاطرة.
يشير مبدأ المخاطرة إلى أنه كلما ازداد قبول المخاطرة في الاستثمار ازدادت احتمالية الربح. أي يرتفع العائد المتوقع منه وترتفع نسبة الخسائر. رغم ذلك ليس هناك ما يضمن حصول المستثمر على عوائد أعلى لمجرد قبوله بالمزيد من المخاطر. لأن ذلك يحكمه الكثير من الظروف العامة والخاصة.
تنطوي المخاطر الكلية للأعمال الاستثمارية على مخاطر منتظمة Systematic Risk أو عامة. وهي التي تنتج عن عوامل تؤثر في النشاط الاقتصادي بشكل عام. بسبب ارتباطها بالظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحيطة بالنشاط. ولا يمكن تجنبها بتنويع مجال النشاط الاستثماري. وتقاس بمعامل بيتا Beta.
وهناك مخاطر غير منتظمة Unsystematic Risk أو خاصة. وهي التي ينفرد بها مجال استثماري دون غيره أو شركة ما دون أخرى. مثل: الإضرابات العمالية أو الأخطاء الإدارية. ومن هنا يكون التقلب الحاصل في العائد مرتبطاً بأسباب مستقلة عن العوامل المؤثرة في السوق ككل. وهذه المخاطر يمكن تجنبها بالتنويع.
و”التنويع” هو اختيار أكثر من فئة مختلفة من الأصول الاستثمارية (سندات. أسهم. عقارات. سيولة نقدية وغيرها) ضمن المحفظة المالية. وتوزيع رأس المال بينها بهدف تحقيق التوزان بين المخاطر. والاستفادة من اختلاف الأداء المالي بينها بسبب المستويات المختلفة للمخاطر والعائد في كل فئة.
في نهاية المطاف نشير إلى أن وجود مخاطر لا يعني دائماً غياب العائد وبالتالي التراجع عن الاستثمار. بل يتطلب إدراك أنها جزء لا يتجزأ من ثالوث “الاستثمار والربح”. ونتيجة لذلك ينبغي الأخذ في الاعتبار مواصفات الاستثمار ودرجة سيولته والمخاطر المرتبطة بخصوصية هذا الاستثمار. لا سيما إذا كان العائد المتوقع يستحق المجازفة أم لا.
في الحقيقة يحتاج المستثمر لتحديد أهدافه الاستثمارية ووضعه الاقتصادي والاجتماعي. وتقييم قدرته على تحمّل مستوى المخاطرة. فليس كل راغب في الاستثمار قادراً بالضرورة على تحمل عقباته. وكون الشخص يرغب في الاستثمار بمنتجات استثمارية خطرة لا يعني أن لديه القدرة على تطويع المخاطرة لصالحه.