يواجه الاقتصاد العالمي حالياً جملةً واسعةً من التحديات والتهديدات. منها المخاوف المتصاعدة من ركود اقتصادي قد يصيب العالم في نهاية العالم الحالي. وقد يتحول لأزمة كساد اقتصادي. ومما زاد الأمر سوءاً أنه اقترن بأزمات اقتصادية أخرى كالتضخم والآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من الأزمات الاقتصادية. وهذا ما يتطلب تحديد الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة المتوقعة وتحديد جذورها التاريخية وآفاقها المستقبلية. والسؤال هنا: العالم بين شبح الركود والحرب .. هل التاريخ يعاد بسيناريو مختلف؟
يقصد بالركود الاقتصادي تراجع الناتج المحلي الإجمالي لفترة زمنية لا تتجاوز ربعين متتالين. وفي حال استمرار أكثر من ذلك قد تتحول لأزمة كساد. فالكساد حالة متطورة ومتقدمة من الركود. ولتوضيح الفرق بين الكساد والركود يقول الرئيس الأمريكي جيمي كارتر: “الركود يحدث عندما يفقد جارك وظيفته. أما الكساد فعندما تخسر أنت وظيفتك”.
يعد الركود أمراً طبيعياً في الاقتصاد. فهو جزء أصيل من الدورة الاقتصادية الطبيعية. شريطة ألا تكون نتيجة خلل هيكلي في الاقتصاد. ويرتبط حدوث الركود بجملة أسباب. منها: ارتفاع معدلات الفائدة وارتفاع أسعار السلع والخدمات وتراجع القوة الشرائية للأفراد وزيادة التصنيع بما يفوق الطلب الكلي. إضافةً إلى الحروب والنزاعات.
تاريخياً شهد العالم أكثر من 50 حالة من الركود الاقتصادي. عدد منها تطور لحالة كساد. كان آخرها الأزمة المالية العالمية عام 2008م.
فيما يتعلق بكيفية معالجة الركود. ففي جوهرها تقوم على علاج الأسباب التي أدت له. وبشكل عام ترتبط معالجة الكساد بتحفيز الطلب والنمو الاقتصادي. ومن أبرز إجراءات معالجة الركود: خفض سعر الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي وتقليل الضرائب وتسهيل الاقتراض لا سيما الاستهلاكي.
مؤخراً مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وما سبقها من آثار اقتصادية سلبية نتجت عن جائحة كورونا التي ضربت دول العالم. باتت مؤشرات الركود الاقتصادي العالمي واضحةً. فقد كشفت دراسة جديدة للبنك الدولي أن العالم يتجه نحو ركود اقتصادي في عام 2023م وسلسلة من الأزمات المالية خاصةً في الأسواق الصاعدة والنامية. في ظل استمرار البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة العام الحالي مع توقع استمرار ذلك خلال العام القادم في محاولة منها للسيطرة على معدلات التضخم المتصاعدة.
مع ما واجهه الاقتصاد العالمي مؤخراً من أزمتين. هما جائحة كورونا التي سببت اضطرابات في سلاسل التوريد ونقصاً في السلع المعروضة. وما صاحب ذلك من ارتفاع في الأسعار محلياً وعالمياً. لتأتي بعدها الحرب الروسية الأوكرانية التي فاقمت أزمة الغذاء والطاقة في العالم. ورفعت الأسعار بالنسبة للمستهلكين. وهو ما أدى إلى زيادة التضخم عالمياً.
بالطبع إن مظاهر الركود التي باتت تلوح في الأفق القريب والإجراءات الاقتصادية الحمائية التي انتهجتها العديد من دول العالم. وإعادة هيكلة سلاسل التوريد لتأخذ طابعاً إقليمياً أكثر منه عالمياً بسبب الجائحة والحرب. وهذا ما أدى لتصاعد حدة التضخم. الأمر الذي أرغم البنوك المركزية على اتباع سياسة نقدية متشددة قائمة على رفع سعر الفائدة. وهو ما يحد من الطلب الكلي في مختلف الدول. فمواجهة التضخم قد تفضي لظهور أزمة ركود والتي قد تتطور لأزمة كساد خاصةً في ظل تصاعد التوتر بين روسيا والغرب.
من جهة أخرى نجد أن احتمالات اندلاع حرب عالمية ثالثة يرتفع في الفترة الأخيرة بسبب تعدد الصراعات الإقليمية. فبخلاف النزاع حول أوكرانيا الذي لمح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف إلى احتمالية وقوع حرب عالمية ثالثة وحرب نووية. هناك تجاذبات أمريكية صينية حول تايوان. وما أعقبه من مناورات عسكرية صينية في المياه المحيطة بتايوان وتهديد صيني صريح بأن “بكين لن تقف مكتوفة اليدين”. وهذا بمثابة تصعيد بين البلدين.
وبالعودة لروسيا التي تدعمها الصين. نجد أيضاً تطورات داخلية تمثلت في إعلان الرئيس الروسي السابق مدفيديف استعداده للدفاع عن بلاده بكل الأسلحة. ليعقب ذلك إعلان عن التعبئة العسكرية. وأمام التحركات الروسية حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي بوتين من أنه “لا يمكن الانتصار في حرب نووية. ولا يجب خوضها أبداً”.
في النهاية إن ارتفاع حدة التوتر العالمي قد تزيد من احتمالات الركود واحتمالات تطوره لكساد. وفي ذات الوقت يعد الركود والكساد من العوامل الداعمة للحروب. وهذا ما يقود للقول بأن العلاقة بين الركود والكساد من جهة والحرب من جهة أخرى تعد علاقةً تبادليةً يؤثر كل منهما في الآخر. لذلك فدعم فرص التهدئة في العالم تعتمد بشكل واضح على القدرة على تحفيز المؤشرات الاقتصادية. فالحرب والسياسة والاقتصاد مفاهيم متداخلة لا يمكن فصلها عن بعض.