مشاركة

الاتفاق بين دمشق وشركات أمريكية لتطوير حقول الغاز خطوة تقنية واقتصادية مهمة. إنها اختبار لقدرة سوريا على تحويل مواردها إلى أداة تأثير طويلة المدى. السؤال الجوهري: هل ستبقى هذه الشَّراكة مرحلة انتقالية أم بداية لمسارٍ يُعيد تشكيل مراكز القوة في أسواق الطاقة الإقليمية؟

اقتصاديًّا، تطوير الحقول يَمنح سوريا أدوات عديدة، بدءًا بتدفُّق الإيرادات، عبر زيادة الإنتاج، وتغطية الاحتياجات المحلية، مع إدارة الموارد بذكاء وصولًا إلى تعزيز النفوذ في أسواق الغاز، ليس عبر السيطرة على الأسعار فقط، بل بخلق قُدرة تفاوضية أكبر مع الدول المستوردة، ومرونة في مواجهة أيّ تقلُّبات اقتصادية أو سياسية مستقبلية. كما يمكن أن تُحفّز هذه الشَّراكة النمو في القطاعات المرتبطة بالطاقة، مثل النقل والبنية التحتية والخدمات اللوجستية، ما يُوسِّع الأثر الاقتصادي للاتفاق على المدى الطويل.

تقنيًّا، إدخال خبرات متقدّمة يعني أن سوريا تبدأ في بناء قاعدة إنتاجية ذكية. الحفر المنظّم، نُظُم المراقبة الذكية، والتخطيط الرقمي ليس مجرد كفاءة تشغيلية، بل تحوُّل تدريجي نحو اقتصاد قائم على البيانات والتكنولوجيا، ما يَفتح المجال أمام تطوُّر القطاع محليًّا وجذب استثمارات مستقبلية، ويُعزّز قدرة الدولة على استباق تحديات السوق وإعادة صياغة معايير إدارة الموارد. هذه القدرات تجعل من سوريا لاعبًا أكثر استعدادًا لمواكبة التحولات في أسواق الطاقة العالمية.

على الصعيد الإستراتيجي، يمنح الاتفاق دمشق قدرة أكبر على التأثير في سوق الغاز الإقليمي، وتحقيق توازن بين مصالحها الداخلية وخياراتها الخارجية. الشَّراكة مع شركات أجنبية لا تُعزّز الإنتاج فحسب، بل تنقل خبرات وتقنيات ترفع استقلالية القرار وتضع سوريا في موقع أقوى ضمن تحوُّلات الطاقة الإقليمية.

في النهاية، الشَّراكة هي مؤشّر على تفكير طويل المدى: كيف يمكن للموارد الطبيعية أن تتحوَّل إلى أدوات قوة متعدّدة الأبعاد، تجمع بين الاقتصاد، والتقنية، والإستراتيجية، لتُعِيد رَسْم دور الدولة في سوق الطاقة الإقليمي بشكل متوازن ومَرِن، وتضع دمشق في موقع مُؤثّر ضمن تحوُّلات الطاقة المستقبلية في الشرق الأوسط.

مشاركة