على الرغم من إعلان إسرائيل عزمها على تنفيذ اجتياح بري لقطاع غزة. إلا أنها لا تزال تؤجل. ما يشير لترددها. وذلك خشيةً من الخسائر الاقتصادية والبشرية التي ستتكبّدها. ما يضعها أمام خيارين أحلاهما مُرّ. إما تنفيذ الاجتياح وتعريض اقتصادها وقواتها لخسائر هائلة. أو الاكتفاء بالقصف الجوي. وهو ما يعني تصدع صورتها كقوة عسكرية لا تقهر.
تشير العديد من التقارير الاقتصادية إلى تكاليف مرتفعة للحرب على غزة. ففي تقرير لبنك بين الاستثمار الإسرائيلي ستبلغ تكاليف العملية العسكرية بدون التدخل البري أكثر من 6 مليارات دولار. وذلك في حال استمرت الحرب 60 يوماً. أما في حال الاجتياح البري فالتكاليف المباشرة ستتضاعف عدة مرات.
يقول ذات التقرير: إن التكاليف المباشرة وغير المباشرة للحرب بدون تدخل بري. بما يشمل خسائر القطاعات الاقتصادية سيتجاوز 17 مليار دولار. ما يعادل 3,5% من إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي. ما يعني أن الغزو البري سيضاعف من الخسائر. خاصةً أن الغزو من المتوقع أن يستمر عدة أشهر.
من جانب آخر الغزو البري سيرفع من احتمالات توسع الحرب إلى حرب إقليمية واسعة. ما يعني تعرض الاقتصاد العالمي لخسائر كبرى. لا سيما في ظل احتمالات بارتفاع سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل. وارتفاع معدلات التضخم العالمية وتعطل سلاسل التوريد. ودخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود.
من المتوقع أن تكون الخسائر العسكرية لا سيما على المستوى البشري الأقسى على إسرائيل. فالمدن تمثل حالةً مثاليةً للمدافعين. خاصةً أن الشوارع والأزقة ستوجه الجيش الإسرائيلي في اتجاهات يمكن التنبؤ بها. ما يجعل عملية استهداف القوات الإسرائيلية أسهل.
أضف إلى ذلك القلق الكبير لدى إسرائيل من مواجهة كمائن ومقاتلين يخرجون من الأنفاق خلال الهجوم. فعلى الرغم من الهجمات الجوية المستمرة على القطاع. إلا أن حماس واصلت إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية. وذلك بفضل متاهة من الأنفاق والمخابئ تحت قطاع غزة.
في الحقيقة تمتلك حماس شبكة كبيرة وعنكبوتية من الأنفاق تحت الأرض يتم فيها إخفاء الصواريخ. فالنظام المتطور تحت الأرض يحتوي على مولدات كهربائية وغرف استخبارات وإمدادات للجيش. من جهة أخرى فجيش الاحتلال مجهز لحرب مشتركة بالأسلحة الحديثة. ما يجعله قليل الفعالية في حرب المدن.
من جهة أخرى تشير بعض التحليلات العسكرية إلى أن لدى حماس صواريخ “كورنيت” المضادة للدبابات. ما يتيح لها استهداف دبابات “الميركافا” الإسرائيلية. ما يرفع من الخسائر الإسرائيلية في الجنود والعتاد.
بالطبع أثبتت عملية “طوفان الأقصى” أن الجيش الإسرائيلي قابل للهزيمة. وهو عكس ما تسعى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لإثباته. كما سببت العملية أزمة سياسية بين الإسرائيليين وحكومتهم. خاصةً في ظل تصاعد غضب ذوي الأسرى. ما يرفع من احتمالات أزمة سياسية داخل إسرائيل. وفي حال الغزو البري سيتضاعف احتمال الأزمة.
لكن بعض الدول الداعمة لإسرائيل تتخوف من أن الغزو البري قد يرفع من احتمالات تحول الحرب لصراع إقليمي. وهو ما لا ترغب به هذه الدول. ما يجعل إسرائيل وحيدةً سياسياً في حال الغزو البري إلا من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.
عموماً تبدو إسرائيل أمام خيارات محدودة. وكلها مكلفة إما اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً. ما يؤكد أنها ليست آمنة. لا الآن ولا في المستقبل. فالأثر الأهم لعملية طوفان الأقصى يتمثل في إثبات أن كل التسويات السياسية مصيرها الفشل ما لم تأخذ حقوق الفلسطينيين بعين الاعتبار.