مشاركة

مع إعلان رَفْع العقوبات الأمريكية المعروفة باسم قانون “قيصر”؛ تُفْتَح أمام المصارف السورية آفاق جديدة لإعادة البناء والاندماج في النظام المالي الدولي، بعد سنوات من القيود التي أثَّرت على نشاطها وقدرتها على التعامل مع المصارف العالمية. هذا التطوُّر يُمثِّل فرصة مُهمَّة لتعزيز القطاع المصرفي، ودَفْع عَجَلة الاقتصاد، وتحفيز الاستثمارات المحلية والخارجية؛ إذا ما تمَّ استثمارها بشكلٍ مدروس ومُتوازِن.

 

إلغاء العقوبات يُتِيح للمصارف السورية العودة تدريجيًّا إلى الشبكات المالية الإقليمية والدولية، ما يُسهِّل عمليات التحويل المالي والتَّعامُل مع المصارف الدولية، ويُسهم في تمويل المشاريع الاستثمارية. يمكن لهذا التحرك أن يدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تُشكّل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ويُحفِّز النشاط في قطاعات متعددة مثل الصناعة والزراعة والخدمات.

 

كما يُتيح رَفْع العقوبات فرصة لتطوير البنية التحتية المصرفية، بما في ذلك اعتماد التكنولوجيا الحديثة في العمليات البنكية، وتوسيع خدمات الدفع الإلكتروني. التحديث التكنولوجي يُسهم في تحسين كفاءة المصارف، وزيادة شمولية النظام المالي، وتمكين المواطنين في المناطق النائية من الوصول إلى الخدمات المصرفية بسهولة، مما يُعزّز الاستقرار المالي والاجتماعي على حدّ سواء.

 

رغم الفرص الواعدة، تُواجه المصارف السورية تحديات حقيقية. من أبرزها: استعادة ثقة المودعين والشركاء الدوليين، بعد سنوات من القيود التي قلَّلت مِن إقبال العملاء على التعامل مع البنوك المحلية، وحَدَّتْ من قُدرة المصارف على إجراء التحويلات الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية. إعادة بناء هذه الثقة يتطلَّب تطبيق معايير مهنية واضحة في إدارة المخاطر، وتعزيز الشفافية في العمليات المصرفية، بما يطمئن العملاء والشركاء على سلامة أموالهم.

 

إضافة لذلك، يبقى خطر ضعف السيولة أو تقلُّبات أسعار العملات والتضخم عاملًا يُهدِّد استقرار القطاع المصرفي. ويتطلب هذا من البنوك إدارة دقيقة للمخاطر والسيولة؛ لضمان قدرة النظام المالي على مواجهة الصدمات الاقتصادية المفاجئة، والاستفادة الكاملة من رَفْع العقوبات.

 

نجاح المصارف السورية في هذه المرحلة لا يمكن تحقيقه دون دور فاعل للحكومة. يشمل ذلك تحديث التشريعات المالية والنقدية، وتطوير منهج العمل في القطاع المصرفي، وتطبيق المعايير الدولية بما في ذلك الالتزام بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما يشمل تعزيز الشفافية، وتوفير بيئة تنظيمية واضحة، تُشجّع على الاستثمار وتَحْمي حقوق جميع الأطراف، بما يُعزّز الثقة في النظام المالي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة أن تلعب دورًا في دعم برامج تدريبية للمصرفيين، وتسهيل إدخال نُظم إدارة المخاطر الذكية، وتحفيز استخدام التكنولوجيا الحديثة في العمليات البنكية. كلّ ذلك يُسهم في تحسين الأداء المالي، وزيادة قدرة المصارف على تمويل المشاريع الحيوية، ودعم القطاعات الاقتصادية المختلفة، بما يؤدي إلى تعزيز النمو المستدام وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

 

ختامًا، رَفْع عقوبات “قيصر” يُمثّل نقطة تحوُّل مهمة للقطاع المصرفي السوري؛ حيث يُوفِّر فرصًا كبيرة للنمو والتطوير، لكنّه يأتي أيضًا مع تحديات تتطلب إدارة حَذِرة وحكمة. نجاح المصارف السورية يعتمد على قدرتها على استعادة الثقة، وتطوير البنية التحتية والتكنولوجية، وتعزيز إدارة المخاطر، مع دَعْم حكومي فعَّال في تحديث التشريعات وتطبيق المعايير الدولية.

 

إذا تم استثمار هذه المرحلة بشكلٍ إستراتيجي ومدروس؛ فإن المصارف السورية يمكن أن تُصبح عنصرًا أساسيًّا في دَفْع عَجلة الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات الجديدة، وتحقيق تنمية مستدامة على مستوى القطاعات المختلفة، بما يُعزّز استقرار المجتمع وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

 

 

 

مشاركة