في عام 1815، انفجر بركان “تامبورا” في إندونيسيا، مخلّفاً دماراً هائلاً. لم تقتصر هذه الكارثة على الأرواح التي أُزهقت، بل امتدت آثارها لتُغيِّر ملامح المناخ في العالم بأَسْره. فقد أطلق البركان كميات ضخمة من الرماد والغازات إلى الغلاف الجوي، ما أدَّى إلى حَجْب أشعة الشمس، وانخفاض درجات الحرارة عالمياً، ليُطلق على ما حدث لاحقاً “عام بلا صيف”.
امتدت الآثار الكارثية لـ”تامبورا” إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تضرر الاقتصاد، وانتشرت المجاعات، وارتفعت معدلات الهجرة والفقر. والواقع أن كل فيضان يغمر طريقاً؛ أو موجة حر تلتهم محصولاً؛ أو إعصار يُعطل ميناءً، هي ضربات متتالية تُترجم إلى مليارات الدولارات من الخسائر.
بدأ الاقتصاد العالمي يشعر بكلفة التغير المناخي، ليس كأثر مُؤجّل، بل كتهديد مباشر. ساهم في رسم هذه الصورة المقلقة ما أفرزته التقارير الدولية، فقد أظهر تقرير أممي أن عدد الكوارث تضاعَف منذ عام 2000، والخسائر الاقتصادية تضاعفت ثلاث مرات، حيث يخسر العالم أكثر من 200 مليون دولار يومياً بسبب كوارث متعلقة بالمناخ والمياه.
وفي صرخة تحذيرية، أعلنت مؤسسة “ديلويت” (Deloitte) أن الاقتصاد العالمي أمام خسارة تتجاوز 178 تريليون دولار حتى عام 2070، بسبب ارتفاع درجات الحرارة. أما إفريقيا، التي تعاني بالفعل، كشفت “الغارديان” أن خسائرها قد تصل إلى 64 % من ناتجها المحلي بنهاية القرن الجاري. وفي الولايات المتحدة، تقدّر خسائر غرق المنازل بـ 900 مليار دولار بحلول عام 2100.
لم تعد المشكلة حالياً في معرفة مخاطر التغيُّر المناخي، بل في تأخُّر الاستجابة. فاليوم، أصبحت الشركات تُنفق مبالغ طائلة على تعديل بنيتها التحتية لمواكبة الظروف المناخية القاسية، من أنظمة التبريد إلى مقاومة الفيضانات.
كما يواجه النظام الغذائي العالمي مخاطر متزايدة، فمع كل درجة مئوية إضافية من الاحتباس الحراري ستتراجع قدرة العالم على إنتاج الغذاء بمقدار 120 سعرة حرارية للفرد يوميًا، أي ما يعادل 4.4% من الاستهلاك اليومي الحالي. والمقلق، أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، يُشبه تخلي جميع سكان الكوكب عن وجبة الإفطار يوميًا.
كذلك، لم تسلم الصحة، فالأبحاث تُظهر أن 3.6 مليار شخص يعيشون بالفعل في مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ. ويتوقع أن يتسبب تغير المناخ بحوالي 250,000 حالة وفاة إضافية سنويًا بين عامي 2030 و2050. بينما تُقدر تكاليف الأضرار المباشرة على الصحة بما يتراوح بين 2 و4 مليارات دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030.
إذاً الاقتصاد يتآكل ببطء، والمؤسسات المالية لم تَعُد قادرة على تجاهل الخطر. كما لم يعد من الطبيعي حصر قضية التغير المناخي في الإطار البيئي، بل هي تحدٍّ وجودي لجميع الأنظمة الاقتصادية في العالم. وفي حال لم يتم تصحيح المسار، قد يكون القرن الحادي والعشرين هو قرن الانهيارات الاقتصادية والبشرية. فهل فات أوان تصحيح المسار؟ شاركنا رأيك في التعليقات