مشاركة

تكشف جولة نتنياهو في جنوب سوريا عن مرحلةٍ جديدة في معادلات الصراع؛ تُظهِر أنّ الانتهاكات الإسرائيلية لم تَعُد مجرد خروقات متفرقة، بل أصبحت نمطًا ثابتًا يعتمد على قراءة دقيقة لميزان القوى في الجنوب السوري. الزيارة بهذا المستوى من العلنية ليست حدثًا عابرًا بل مؤشر على أنّ إسرائيل ترى الحدود السورية مساحة مفتوحة للتحرُّك دون مواجهة ردّ فِعل حقيقي.

الواقع في الجنوب السوري مُعقَّد نتيجة سنوات الحرب، وتعدُّد القوى وتغيُّر خرائط السيطرة المستمر. هذا الوضع أوجد بيئة أمنية غير مستقرة تستثمرها إسرائيل لتثبيت وجودها العسكري والسياسي. اتفاق فضّ الاشتباك لم يَعُد كافيًا لضَبْط الحدود، في ظل قلق دولي يفتقر إلى أدوات رَدْع، ما يترك المنطقة بلا ضوابط واضحة.

الجيش السوري لا يملك السلاح الكافي لفرض معادلة ردع، لذلك التوجُّه لموسكو لم يكن مجرد خيار دبلوماسي، بل إستراتيجية لتسليح الجيش السوري وتعزيز قُدراته الدفاعية، بهدف خلق رَدْع حقيقي؛ فالقدرة على الدفاع والاستعداد للحرب لا تعني بالضرورة الدخول في صراع مفتوح، لكنها عنصر أساسي لفرض التوازن ومنع الانتهاكات الإسرائيلية. كما يقال في الإستراتيجيات العسكرية: “الاستعداد للحرب يمنع الحرب”.

القوى الإقليمية والدولية تختلف حساباتها؛ بعض القوى ترى الجنوب السوري منطقة تصعيد، بينما تستغله أخرى كورقة تفاوضية ضمن مسار أوسع. أما القوى الدولية الكبرى، فمواقفها غالبًا تتراوح بين التحفُّظ والانتظار، دون امتلاك آليات تنفيذ أو إرادة لتغيير قواعد اللعبة، ما يُعزّز لدى إسرائيل شعورًا بهامش حركة مفتوح.

من زاوية أعمق؛ تعكس الجولة تحوُّل الجنوب السوري إلى ساحة تثبيت رسائل لا تُقابَل برسائل مضادّة فعَّالة. وهذا يمنح الانتهاكات الإسرائيلية استمرارية واضحة. التحدّي الحقيقي اليوم ليس مَن يعترض فقط، بل مَن يمتلك القدرة والإرادة لتحويل الاعتراض إلى قوة ضغط فعلية تُعيد بناء منظومة ردع تُقلّل من قدرة إسرائيل على التصرُّف المنفرد.

ختامًا، يبقى الجنوب السوري اختبارًا للتوازنات، ونجاح أيّ إستراتيجية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية يعتمد على رَدع حقيقي عبر تعزيز قدرات الجيش السوري بالاعتماد على موسكو، دون الانجرار إلى حرب؛ لضمان وضع إسرائيل تحت حسابات صارمة.

مشاركة