تعتبر هيئة تحرير الشام من أقوى الفصائل المسلحة في الشمال السوري لا سيما في محافظة إدلب. وعلى الرغم من وجود عدة منافسين لها من باقي الفصائل المسلحة إلا أنها تعتبر الفصيل الأقوى تسليحاً والأكثر تنظيماً. وفي ظل التنافس الداخلي وفي ظل التصنيف الدولي للهيئة كجماعة “إرهابية” ما دور الجانب الأمني والاقتصادي في تسويق الحركة خارجياً ودعمها داخلياً؟
في الحقيقة يعتبر الجانب الأمني محور اهتمام كل الفصائل المسلحة بدون استثناء. وتبرز أهمية هذا الجانب في كون الفصيل الأكثر قوة وسيطرة على الأرض يتمتع بفرصة أكبر للتواصل مع الخارج. فالفصائل المسلحة تدرك تماماً أنه كلما كانت قبضتها الأمنية أمتن ومساحة سيطرتها الجغرافية أوسع كلما حظيت بفرص أكبر للتفاوض مع اللاعبين الإقليميين والدوليين وبالتالي تحقيق مكاسب سياسية.
من هنا تدرك هيئة تحرير الشام وخصومها أهمية السيطرة الأمنية ومحورية هذا الأمر في استمرار وجودها. لهذا السبب فهي تحرص على أن يكون لها اليد العليا في المنطقة بين الفصائل. فهذا الأمر يحميها من أي تجاهل إقليمي ويمهد لها الظهور سياسياً. بصفة عامة فاللاعبون الإقليميون والدوليون غالباً ما يميلون لمفاوضة الأطراف الأقوى بينما الأضعف ينتهي بهم الأمر بالهضم من قبل الفصائل الأقوى.
من ناحية أخرى يعتبر تنظيم حراس الدين الفصيل المنافس الأقوى لهيئة تحرير الشام. وعلى وجه الخصوص يظهر التنافس من خلال الاغتيالات المتبادلة والصراع الخفي والعلني. ولكن هل ينحصر التنافس بين الفصائل على الجانب الأمني؟
قبل كل شيء يعتبر المورد المالي قضية حيوية بالنسبة للفصائل المسلحة. فمع شح التمويل الخارجي تزداد أهمية التمويل الذاتي. بناء على ذلك فهو ضروري لدفع رواتب المقاتلين. إضافة إلى أهميته في تمويل العمليات العسكرية وتغطية النفقات الأخرى. وعلى وجه التحديد تزداد أهمية التمويل بالنسبة للجماعات التي تعمل بنظام الميليشيات. ففي ظل غياب غطاء مالي خارجي يكون مستقبل هذه الفصائل على المحك.
لهذا السبب تدرك تحرير الشام ومنافسوها أهمية الجانب المالي. ولهذا تحرص على السيطرة على الموارد الاقتصادية الأهم في المنطقة. فبالإضافة لأهمية هذه الموارد في تأمين النفقات المالية فهي مهمة في الضغط على المنافسين من خلال حرمانهم من أي مورد مالي. ما يؤدي إلى إضعافهم والتأثير على الولاء التنظيمي لمقاتليهم.
تسيطر تحرير الشام وبقوة على تجارة المحروقات في المنطقة فهي تحتكر هذا القطاع. وذلك من خلال شركة “وتد” التي تتبع لها. بالإضافة إلى شركتي “كاف” و “الشهباء” فهاتان الشركتان وإن كانتا مستقلتين عن تحرير الشام إلا أنهما تدوران في فلكها. وبذلك تحكم قبضتها على تجارة المحروقات بالكامل وتضمن الحصول على كامل عوائد هذه التجارة.
بالإضافة لتجارة المحروقات تسعى تحرير الشام للسيطرة على المعابر وعلى الحواجز كونها تعتبر مصدراً مهماً ورئيساً للدخل. وهذه السيطرة -بالإضافة لأهداف توفير التغطية المالية والضغط على المنافسين- تهدف لدعم الموقف التفاوضي مع اللاعبين الإقليميين والدوليين.
في النهاية إن السيطرة على الموارد الاقتصادية وعلى الملف الأمني تجعل من أي فصيل مسلح سلطة أمر واقع. وبالتالي لا يمكن تجاهله في أي حراك سياسي. لأن أي اتفاق سياسي إقليمي بدون إشراكه سينتهي بالفشل. وهذه ما تدركه الفصائل المسلحة في الداخل السوري.