مشاركة

في خمسينيات القرن الماضي، كانت نيجيريا تُوصَف بأنها “عملاق إفريقيا النائم”؛ لأنها دولة تملك أرضًا خِصْبة، وعددًا كبيرًا من السكان، ومخزونًا كبيرًا من النفط.

 

في الستينيات، زادت صادراتها النفطية، وبدأ العالَم يتحدَّث عن معجزة نيجيرية قادمة. لكنّ ما حَدَث، كان العكس تماماً. بدل ما يصبح النفط نِعْمَة، صار نِقْمَة. الاقتصاد صار يعتمد على النفط فقط؛ حيث شَكَّل النفط 90% من صادرات البلاد، و25% من النَّاتج المحلي الإجمالي، والقطاعات الأخرى تراجعت. انهار الريف وتفشَّى الفساد، وأصبح النظام السياسي متمسكاً بالسُّلطة؛ طمعاً بعائدات النفط.

 

لعنة الموارد

اليوم، رغم أن نيجيريا واحدة من أكبر مُنتِجي النفط في إفريقيا؛ إلا أنَّ نسبةً كبيرةً من الشعب النيجيري 75% أصبحت تحت خطّ الفقر، وهو مُعدَّل خطير للغاية.

 

هذه الظاهرة تُسمى “لعنة الموارد”. وهي تناقض ظاهر؛ الدول اللي عندها ثروات طبيعية كثيرة، قد تتحوَّل هذه الموارد لنقمة عليها.

 

وهذا لا يقتصر فقط على نيجيريا. فنزويلا مثلاً، تمتلك احتياطيًّا نفطيًّا كبيرًا، لكنَّها انهارت اقتصاديًّا، وعُمْلتها فقدت قيمتها. والتضخُّم بلغ قِيَمًا قياسية؛ فقد بلغ مليون بالمئة.

 

في الجزائر، رغم وفرة الغاز والنفط، ما زالت نسبة البَطالة بين الشباب نحو 25٪، وحتى الكونغو، البلد الغني بالذهب والكوبالت، يعيش 74٪ من السكان في فقر مدقع.

 

هل تُغْرِي الثروات الطبيعية الأنظمة بالكسل؟

هنا يُثار سؤال مُهِمّ: هل تُغْرِي الثروات الطبيعية الأنظمة بالكسل؟! عندما تضمن الدولة دَخْلًا ثابتًا من تصدير البترول أو الذهب، تتوقَّف عن الاهتمام بتطوير الصناعة أو الزراعة أو حتى التعليم. فتُصبح الميزانية معتمدة على سلعة واحدة. وإذا انخفض سعرها في السوق العالمي، ينهار كل شيء. وقد رأينا ذلك خلال أزمة أسعار النفط عام 2014م، حينها خسر عدد كبير من الدول المُنتِجَة للنفط نحو 45% من عائداتها تقريبًا.

 

وجود الثروات يشجّع على الفساد؛ لأن العائدات تأتي بسهولة، بدون تعب أو إنتاج حقيقي، فتخلق صراعًا بين القوى السياسية للسيطرة عليها. وكلَّما كانت مؤسسات الدولة ضعيفة؛ زادت الفرص لنَهْب المال العام.

 

بحَسَب مؤشر مدركات الفساد 2023م، أغلب الدول الغنية بالموارد تحتلُّ مراكز متأخرة مثل فنزويلا، والتي تحتلّ المرتبة 177 من أصل 180، ما يعني أنها من أكثر الدول فساداً. وكثير من الأنظمة تَستخدم هذه العائدات لشراء الولاءات؛ حيث تُوزِّع عوائد النفط على القُوَى السياسية؛ بهدف دَعْم نظام الحُكم.

 

ظاهرة المرض الهولندي

المشكلة هنا ليست سياسية فقط. بل اقتصادية أيضاً؛ لأن الاعتماد على تصدير النفط والغاز، وغيرها من الموارد الطبيعية، قد يُؤدِّي إلى زيادة كبيرة في قيمة العُمْلة الوطنية، وارتفاع قيمة العُمْلة يَحُدّ من قدرة الدولة على تصدير المنتجات الأخرى، ما يعني تحوُّل الدولة لسوق تصريف لمنتجات الدول الأخرى. وهذه الظاهرة تُعرَف بالمرض الهولندي.

 

لكنْ رغم كلّ هذا، هناك دُوَل تمكَّنت من الاستفادة من الموارد الطبيعية. مثل النرويج، التي استخدمت عائدات النفط لتأسيس صندوق سيادي عملاق بلغ حجمه أكثر من 1.4 تريليون دولار في 2023، وصارت تُوزّع العائدات بشكلٍ عادلٍ، وتُحافِظ على مؤسسات شفَّافة.

 

العِبْرَة بكيفية إدارة الموارد

العِبْرَة دوما ليست بوجود الموارد، بل بكيفية إدارتها؛ فالدولة التي لديها شفافية، ومؤسسات قوية، وخطط طويلة الأمد، تُصبح الثروات نعمة. أما إذا كان بها نُخَب فاسدة، ومجتمع مَقْمُوع، فالثروة تتحوَّل لسيفٍ بيد السلطة.

 

المفارقة، أنّ بعض الدول التي لا تمتلك موارد قد تكون أنجح. مثل كوريا الجنوبية التي بَنَت اقتصادها على الصناعة والتعليم والابتكار، بدون نَفْط ولا ذَهَب. أو سنغافورة، الجزيرة الصغيرة التي صارت قوة اقتصادية بخطط ذكية وبالتركيز على تطوير المهارات.

 

خلاصة الأمر: الموارد الطبيعية ليست ضَمانًا للازدهار الاقتصادي، بل يمكن أن تكون فَخًّا. والفقر ليس دائمًا ناتجًا عن غياب الثروات، بل عن غياب الإدارة والعدالة. فالسؤال الحقيقي ليس: ما الذي تملكه تحت الأرض؟ بل: ما الذي عندك فَوْقها؟ من مؤسسات، مِن وَعْي، ومن إرادة لإدارة الثروة لصالح الجميع، وليس لصالح القِلَّة.

مشاركة