مشاركة

استبدال العُمْلة عملية دقيقة في قلب الاقتصاد؛ إما أن تُنْقِذ المريض أو تقتله. سوريا اليوم تقف أمام هذا الرهان، والخطأ هنا ليس فيه تراجع.

 

في تصريح حاكم المركزي السوري، قال: إن العملة الجديدة ستتكون من 6 فئات، مع حذف صفرين من الليرة، بمعنى أن كل 100 ليرة قديمة ستُصْبِح ليرة واحدة جديدة.

 

حذف صفرين ليس قرارًا بسيطًا، بل هو مغامرة تحتاج إلى دقة تنفيذ. فهناك دول كثيرة جرَّبت هذا الطريق، بعضها نجح، وحقَّق استقرارًا نقديًّا حقيقيًّا، وبعضها باءَ بالفشل، واضطر إلى استبدال العُمْلة مرة ثانية وثالثة.

 

تركيا في عام 2005م، حذفت 6 أصفار من عُملتها، وربطت التغيير بإصلاحات شاملة، ونجحت الخطة. أما زيمبابوي، فقد جرَّبت استبدال عُملتها ثلاث مرات خلال عقد واحد، ولم تتمكن من إيقاف التضخم.

 

استبدال العملة عملية مكلّفة، طباعة، حملات توعية، جَمْع العملة القديمة من السوق واستبدالها بالجديدة. والنجاح له شرط واحد، بسيط ومعقَّد بنفس الوقت؛ هو الانضباط في الطباعة.

 

الكمية المطبوعة يجب أن تتواءم مع مقدار وحجم السوق الحقيقي؛ بمعنى إذا كان السوق بحاجة لمليار ليرة فقط، وتم طباعة مليارين؛ فهنا يبدأ الانهيار؛ لأن الكتلة النقدية الزائدة تخلق تضخمًا فوريًّا، والأسعار ترتفع، والعملة الجديدة تفقد قيمتها قبل أن تستقرّ في جيوب الناس. يعني نكون قد دفعنا تكاليف ضخمة، وأرهقنا الاقتصاد، ولم نستفد أيّ شيء.

 

الأهم من هذا، أن الاستبدال يجب أن يتزامن مع دعم حقيقي للاقتصاد. بدايةً من إنتاج محلي قوي، وصادرات مُدِرَّة للعُمْلَة الصعبة، مع استثمارات تخلق فُرَص عمل، وسيولة حقيقية في السوق. بدون هذه العوامل، فالعُملة الجديدة سيكون مصيرها نفس مصير القديمة، وسيرجع السوريون يعانون من تضخُّم وانهيار بعد سنتين أو ثلاثة.

 

سوريا اليوم لديها فرصة قوية، والخطأ فيها خطر، نعم لا شك أنّ الفكرة إيجابية، والطموح موجود، لكنّ العبرة بالتنفيذ. والنجاح يستلزم دقة، شفافية، وخطة اقتصادية واضحة.

مشاركة