بصفة عامة يشهد لبنان منذ سنوات أحوالاً سياسية واقتصادية متأزمة. لكنه كان لا يزال قادراً على الصمود بفضل دورانه في فلك الإطار العربي الموحد. فكان يتلقى مساعدات إنسانية واقتصادية كبيرة من البلدان العربية. خاصةً بلدان دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
لكن البعض أفسد ذلك الصمود. بسبب تصريحات دبلوماسية اعتبرتها المملكة مسيئة. لذلك قررت الأخيرة إبعاد السفير اللبناني عن أراضيها واستدعاء سفيرها لدى بيروت. وكذلك وقف الواردات اللبنانية إلى السعودية. هذا القرار ستخسر بسببه بيروت أكثر من مليار و200 مليون دولار هي صادرات لبنان إلى المملكة. بحسب إيلي رزق رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية.
في الواقع السعودية هي الوجهة الثانية لتصدير منتجات لبنان بعد الإمارات التي تحل أولاً. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 600 مليون دولار سنوياً بين عامي 2014 و2020م بحسب تصريح للمستشار الاقتصادي السعودي عيد العيد.
أما من حيث حجم التجارة مع لبنان بشكل عام فتتصدر المملكة خليجياً بإجمالي 790 مليون دولار. موزعة ما بين 401.7 مليون دولار (صادرات سعودية) و388.5 مليون دولار (واردات سعودية من لبنان). أي أن حجم التجارة بين لبنان والسعودية يصل لنحو 35% من إجمالي حجم تجارة لبنان مع الدول الخليجية كافةً.
من ناحية أخرى فإن القرار السعودي بحظر الواردات اللبنانية لم يكُن الأول. فقد اتخذت المملكة نفس القرار في أبريل الماضي (221) بعد أزمة عُرفت وقتها بـ”شحنة الرمان”. حيث أفشلت السلطات السعودية محاولة لتهريب أطنان من مادة الكبتاغون من لبنان. فقررت “الداخلية” السعودية منع استقبال شحنات الخضر والفواكه اللبنانية أو العبور من أراضيها لحين تقديم السلطات اللبنانية ضمانات كافية لإيقاف مثل هذه العمليات في المستقبل.
هذا القرار وقتها أضرّ كثيراً بالاقتصاد اللبناني. فبحسب تصريح لوزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال آنذاك عباس مرتضى فإن الخسارة السنوية من منع المنتجات الزراعية اللبنانية من الدخول إلى أراضيها أو المرور فيها فتبلغ 92 مليون دولار (نحو 250 ألف دولار يومياً).
في نفس الوقت الأزمة الدبلوماسية تخطت حدود المملكة لتهدّد مستقبل العلاقات الخليجية-اللبنانية. إذ قررت الكويت والإمارات والبحرين أيضاً استدعاء سفراء لبنان للاحتجاج على هذه التصريحات المسيئة. وستتخطى كذلك الحدود الدبلوماسية لتصبح أزمة اقتصادية “خانقة” في المقام الأول إذا ما قررت دول الخليج وقف صادراتها من لبنان.
علاوة على ذلك فبحسب إحصاء لـ”جمعية المزارعين” عن صادرات لبنان الزراعية إلى دول الخليج فقط وبيانات مديرية الجمارك العامة. فإن صادرات لبنان من الخضر والفاكهة بلغت 312.6 ألف طن بقيمة 145 مليون دولار في الفترة من يناير 2020 إلى نهاية نوفمبر من العام ذاته.
تنقسم هذه الصادرات الزراعية إلى دول الخليج على النحو التالي: الكويت (أولاً) تحصل على 59 ألف طن بقيمة 21 مليون دولار أي19%. ثم السعودية (ثانيةً) بحصولها على 50 ألف طن بقيمة 24 مليون دولار أي 16%. وفي المرتبة الثالثة الإمارات بحصولها على 31 ألف طن بقيمة 14 مليون دولار أي 10%.
ثم عمان (رابعةً) بحصولها على 15 ألف طن بقيمة 16 مليون دولار أي 4.8%. وفي المرتبة الخامسة البحرين بحصولها على 2.3 ألف طن بقيمة 7 ملايين دولار أي 2.2%. ثم قطر(سادسةً) بحصولها على 16 ألف طن بقيمة 10 ملايين دولار أي 5.1%.
على وجه التحديد فإن السعودية وغيرها من دول الخليج العربي تستورد من لبنان نحو 173.3 ألف طن. أي ما نسبته 55.4% من إجمالي صادرات بيروت من الخضروات والفاكهة. وهما رقمان يدلّان على حجم خسائر حظر الصادرات إلى الخليج.
في نهاية المطاف إن القرار السعودي يعني خسارة بالملايين لدولة تعاني بالأساس من اقتصاد غير مستقر. وقرار خليجي مماثل -إن اتُخِذَ- سيكون بمثابة ضربة قاصمة لهذا الاقتصاد قد يفيق من آثارها بعد سنوات.
أما تداعيات القرار على دول التعاون الخليجي فلن يكون مؤثراً بعُشر القدر ذاته. فاقتصادها أكثر قوة واستقراراً وتتوافر الكثير من البدائل للاستيراد من دول المنطقة العربية أو حتى من خارجها. حتى وإن كانت ليست أكثر جودة من المنتج اللبناني وأقل سعراً.