تُعتبَر #الحُروب و #الصِّراعات سِمَة لازِمة للوُجود الإِنْسانيّ منذ فَجْر التَّاريخ، فبالكَاد تَجِد حضَارة ما أو مِنْطَقة جُغْرافيّة أو حِقْبة تاريخيّة لم تَشْهد في تَارِيخها عِدَّة صِراعات ونِزَاعات خلَّفَت وَراءَها الخَراب والدَّمَار وآلاف القَتْلى، وبدِرَاسة هذه الصِّراعات نَجْد أنَّ الدَّوافِع المُعْلَنة لها تَتمثَّل في دَوافِعَ قَوْميّة أو سِياسيّة أو دِينِيّة مع ذِكْرٍ خَجُول للدَّوافِع الاقْتِصاديّة.
هل يمكن اعتِبار الدَّوافِع الاقتِصاديّة للحُرُوب عامِلًا ثانويًّا يَتراجَع أَثَره مُقابِل سَيْطرة تامَّة للدَّوافِع السِّياسيّة والإيدْيُولوجيّة والدِّينيّة؟ أَمْ أنَّ هذه الطَّرْح مُناقِض للحقِيقة، لا سيَّما أنَّ التاريخ كتَبَه المُنْتصِرون، فغَلَّفُوا أطْمَاعهم الاقتِصاديّة -في ثَرَوات الأُمَم الأُخَرى- بغَلافٍ سِياسِيّ وإِيدْيولوجيّ وأحيانًا دِينيّ.
تُشكِّل الدَّوافِع الاقتِصاديّة المُحرِّك الأَبْرز ل #الحُرُوب، فبمُراجَعة سَريعَة لتَارِيخ #الصِّراعات_البَشَريّة نَجِد أنَّ غالِبيّتها قامَت حَوْل مَكامِن #الثَّرَوات، فالإِمْبراطُوريّة #الرُّومانِيّة وكذا #الفارِسيّة خاضَتا نِزاعًا استَمَرَّ لقُرُون للسَّيْطرة على #بلاد_الشَّام لا سيَّما #سُوريا منها، والّتي كانت تُلقَّب حينها ب #أهراء_روما، نظرًا لغِنَاها ب #القَمْح، فسَعتْ كِلا الإِمْبراطورِيتَيْن للسَّيْطرة عليها.
كما أنَّ #الحَمَلات_الصَّلِيبيّة على #المَشرِق_العَربيّ والَّتي قامت تَحْت غِطاء دِينيّ وبمُبارَكة كَنَسِيّة آنَذاك لم تَخْلُ من دَوافِعَ اقتِصاديّة، ففي ذلك الوَقْت كانت #أوروبا تَعْيش بفَقْرٍ تامٍّ باستِثناء مَوانِئ #إيطالْيَا على المُتوسِّط والتي كانت تَرَى في مَوانِئ العالَم الإِسلاميّ منافِسًا لها، فقام أُمَراء المُقاطَعات الإيطالِيّة بتَمْويل #الحَمَلات_الصَّلِيبيّة طمَعًا بتَدْمِير حَواضِر العَرَب والقَضاء على مُنافِسِيهم.
كما أنَّ #حَمْلة_نابِلْيون على مِصْر هَدفَتْ للسَّيْطرة على #طَرِيق_الهِنْد التِّجاريّ الوَاصِل بأوروبا، وقَطْع إِمْدَادات إِنْكلترا، كما غَزَا #هِتْلر الاتِّحاد السُّوفياتيّ في العالَمية الثانِية طَمَعًا في مَناجِم الحَديد في مُحَاوَلة من للوُصُول إلى #القُوقاز سَعْيًا نحوَ مَنابِع #النَّفْط، كما أنَّ الحُرُوب الحَدِيثة كغَزْو #العِرَاق والصِّرَاع على #ليبيا كُلّها ذات دَوافِع اقتِصاديّة.
عادةً ما تُغلَّف أطْماع الدُّوَل في ثَرَوات الدُّوَل الأُخْرى بأَغْلِفة مُضلِّلة، كسَعْي الدُّوَل العُظْمى في الوَقْت الحَاليّ لتَسْويق أنَّ تَدخُّلها في الشُّؤون الدَّاخِليّة للدُّوَل الأُخْرى أو حتّى غَزْوها تَحْت سِتار حُقوق الإِنْسان أو نشر #الدِّيمُقرَاطِيَّة كالغَزْو الأَمْريكِيّ ل #العِرَاق في مَطْلع الأَلْفيّة الحالِيّة، أو كتَدخُّل #النَّاتو في ليبيا إبَّان #ثَوْرة_فبراير بحُجْة حِماية المَدنِيّين من نِظام #القَذَّافي.
يُخبِرنا التَّاريخ أنَّ شِبْه #الجَزِيرة_العَربيّة لم تَشْهد أيّ غَزْوٍ بحُجّة أنَّ غَزْوها كان صعبًا نَتِيجة طَبِيعتها الصَّحْراوية، لكنّ الحقِيقة أنَّ السَّبَب الرَّئِيس أنَّها كانت فَقِيرة بالمَوارِد فلم تُشكِّل مَكْسبًا لأَحَد، ف #الإِسْكنْدَر_المَقْدُونيّ الَّذي وَصَل للصِّين هل عَجَز عن دُخُول الجَزِيرة العَربيّة؟! بَيْنما نَجِد أنَّ كبرى الدُّوَل وبعد اكتِشاف #النَّفْط في الخَليج العَربيّ تَسابَقتْ لوَضْع مَوْطن قَدَمٍ بها.
لا يَنْبغي أنْ يُفْهم هذا الطَرْح بأَنَّه مُحاولة لتَفْريغ الحُرُوب والصِّراعات من بُعْدها السِّياسيّ والإيدْيُولوجيّ تَفْريغا تامًّا، فلا مَجَال لإِنْكار هذه الدَّوافِع، لكنَّ الدَّافِع الاقتِصاديّ -في تَقدِيري- يُشكِّل العامِلَ الأَقْوى والأَبْرز وهو الدَّافِع المُسْتتِر والغائِب عن التَّوْثيق، وغالِبًا ما تَدْفع الدُّوَل الصُّغْرى فاتُورة سَعْي الدُّوَل العُظْمى للاستِحْواذ على ثَرَواتِها الخاصَّة.
لا يُمْكِن أنْ تُبْنى الحَضارَات العُظْمى بمَوارِدَ اقتِصاديَّةٍ مَحْدودة، وفي سبيل ذلك تَسْعى لاستِغْلال الشُّعُوب وثَرَواتها في بِناء حَضارتها الخاصَّة، ولنا في #التَّاريخِ أمْثلة كثيرة، كَم كانَت الشُّعوبُ المُسْتَعَمَرَةُ وقُودًا لحُروبٍ لا نَاقَةَ لها بِها ولا جَمَل، ناهِيكَ عن اسْتِنزَافِ مُوارِدِها الطَّبِيعِيَّةِ في تَمويِلَ تلك الحُرُوب.
إنَّ أيّ صِراعٍ تَاريخِيّ أو حَاليّ أو مُستقبَليّ لا بُدّ له من دافِعٍ اقتِصاديّ ولو كان خَفيًّا، في كلّ صِراع لا بُدّ من البحث عن البُعْد الاقتِصاديّ الحقِيقيّ له، الإِعْلام والحَمْلة التَّرويِجِيَّة المُصَاحِبَة له غالِبًا ما تقُودك بَعِيدًا عن الأَهْداف الحَقِيقيّة، وقد تقُودك لاتِّهام الضَّحِيّة ونُصْرة الظَّالِم، ف #الاقتِصاد كان وما زال مُحرِّكَ كلّ صِّراع حول العالَم.