شَارِك المَقَال

في ظل حالة عدم اليقين المستمرة بشأن الوضع الاقتصادي في العالم العربي، يجد المواطنون أنفسهم يتحملون عبء التضخم المتزايد وركود الرواتب. فاليوم، الرواتب في العالم العربي لا تتناسب مع القوة الشرائية، ليس لضعفها فقط، بل لأن قيمتها الاقتصادية تتآكل يومياً.

 

ورغم توقعات البنك الدولي بارتفاع الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية إلى 2.6% في نهاية العام 2025، مقارنة بنسبة 1.9% في 2024، لكن هذه التوقعات لا تضيف شيئاً إلى محفظة المواطن العربي الذي يحيا على المتبقي من راتبه بعد دفع الفواتير.

 

التضخم وتآكل الرواتب

تسبب ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وانخفاض قيمة العملات، في ضغوط تضخمية تُنهك حياة المواطنين في العالم العربي. ويتوقع أن يرتفع التضخم قليلاً إلى 2.7% في عام 2025، إلا أنه يتباين بين دول المنطقة، فبينما يُسجل 2% في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه يُقدر بـ 4.9% في الاقتصادات النامية، وسط ضغوط تضخمية شديدة في دول مثل اليمن (20.7%).

 

بالطبع، يؤدي هذا التضخم إلى تآكل القوة الشرائية للأسر، ومن ثم تعميق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. لا سيما أن الرواتب ثابتة أو تزيد بنسب ضئيلة. ووفق ما ذكرته منظمة العمل الدولية، فإن 45% من 160 دولة شملها التقرير، بينها دول عربية، سجلت دُخولاً أدنى من مُعدَّل التَّضخُّم.

 

ورغم تفاوت الرواتب بين دول العالم العربي، إلا أن التحديات الاقتصادية ألقت بظلالها على الجميع. فمثلاً، 62% من الموظفين يرون أن الرواتب غير كافية في السعودية. كما ارتفعت نسبة من يرون أن تكاليف المعيشة المتزايدة تفوق رواتبهم في الإمارات، رغم حصول 48% من الموظفين على زيادات في الرواتب تراوحت بين 2.5% و5% في عام 2024.

 

ويختلف الوضع في لبنان الذي وصل التضخم به إلى مستويات قياسية قدرت بـ 221% في العام 2023، لتفقد الليرة أكثر من 98% من قيمتها منذ 2019. وبالنسبة إلى العام 2025، توقّع صندوق النقد الدولي أن تتراوح معدّلات التضخّم ما بين 15 و 16 %، في ظلّ استمرار الأزمة الاقتصادية.

 

للتغلب على هذه التحديات، يحتاج المواطن اللبناني إلى زيادات كبيرة ومتتالية في راتبه. فإذا افترضنا أنه كان يتقاضى راتبًا بقيمة 2,000 دولار في 2019، فإن الحفاظ على القدرة الشرائية نفسها اليوم يتطلّب أن يصل راتبه إلى ما لا يقل عن 4,000 إلى 4,500 دولار شهريًا، ليتمكن من معالجة انهيار العملة المحلية وتضخّم الأسعار.

 

ورغم توقع نمو الرواتب في المغرب والجزائر وتونس، لكن التضخم لا سيما في الأخيرتين، يتسبب في تآكل القيمة الحقيقية لزيادات الرواتب. ثم هناك مصر، السودان، واليمن، دول تتفاوت الأزمات فيها، لكنها تلتقي عند نقطة واحدة، وهي أن الرواتب لم تعد تكفي لتأمين الحاجات الأساسية.

 

إذاً، التَّضخُّم لا يُعالَج بالبيانات الرسمية، بل هناك حاجة إلى سياسات تربط الأجور بمعدلات الغلاء، وهذا نادراً ما يَحْدُث.

 

خفض الدعم و انكماش الطبقة الوسطى

تصاعدت المخاوف بشأن مستقبل الطبقة الوسطى في العالم العربي والتي تكابد انعدام الاستقرار السياسي، والآثار السلبية للضرائب والسياسات المالية، وجمود خطط الحماية الاجتماعية، واستفحال الفقر.

 

وتشير البيانات أن أكثر من نصف الأسر المعيشية تنتمي إلى الطبقة الوسطى في مصر وتونس والأردن والكويت ولبنان وفلسطين. إلا أن الأوضاع الاقتصادية فرضت نفسها على العديد من دول المنطقة، فمثلاً، شهدت في مصر والأردن وفلسطين انكماشاً بنسبة تقارب 12% على مدى 10 سنوات.كما أدى التدهور الاقتصادي الحاد في أواخر عام 2019 إلى تغير تركيبة الشعب اللبناني، لتنحدر الطبقة المتوسطة من 70% إلى نحو 40%.

 

يعود تقلص الطبقة الوسطى إلى التخلي عن برامج الحماية الاجتماعية في المقام الأول،  وارتفاع معدل التضخم والبطالة، واتساع الفجوة في الدخل والثروة في جميع أنحاء المنطقة. ويتطلب حمايتها دراسة تأثير أي قرار اقتصادي عليها قبل التنفيذ، وخفض الأعباء الضريبية. إلى جانب توفير برامج حماية اجتماعية شاملة تكون قادرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية في حال اتباع سياسات تقشفية، مثل إعانات البطالة.

 

الخاتمة

إن واقع عالمنا العربي اليوم ينذر بتغيرات اجتماعية جذرية تواكب الوضع الاقتصادي المتأثر بالاضطرابات الجيوسياسية المحيطة به، وتتعدد أسباب تآكل الرواتب فانهيار العملة المحلية في ظل الاعتماد على الاستيراد، بمثابة ضريبة غير مُعلَنة على المواطن.

 

ولا يخلو الأمر من بطء زيادة الرواتب رغم الوتيرة السريعة لارتفاع الأسعار مما يتسبب في تراجع القدرة الشرائية، الأمر الذي لا يستهان به إذا علمنا أنه في عام 2020 وحده، بلغ إنفاق الطبقة المتوسطة في العالم 44 تريليون دولار أي 68% من إجمالي إنفاق المستهلكين؛ لذا فإن تنامي حجم هذه الطبقة يلعب دورًا كبيرًا في زيادة الاستثمارات وتراجع البطالة.

 

إن ما يحدث في العالم العربي ليس مجرد أزمة رواتب، بل أزمة توزيع دَخْل، ورؤية اقتصادية “ضبابية” يترتب عليها قفزات سريعة في الأسعار وتآكل أسرع في الرواتب. وطالما لم تُرْبَط الأجور بمؤشرات حقيقية للغلاء، وحماية القدرة الشرائية بقوانين وسياسات، سيظل الراتب مجرد رقم يتبخَّر عند حلول منتصف الشهر.

 

شارك المقال

 

المراجع:

  • Middle East Salary Survey & Regional Insight 2025. The link: https://2u.pw/0ZHP9
  • UAE Salary Trends 2025: 75% of Employers Project Pay Increases, Vadim Kouznetsov, Jan 2025. The link: https://2u.pw/BnC5K
  • دراسة: 62% من الموظفين يرون الرواتب غير كافية.. كيف علَّق وزير الموارد البشرية؟، صحيفة سبق الإلكترونية، نوفمبر 2024. الرابط: https://sabq.org/saudia/afu1a5foy0
  • كم تدفع الدول العربية رواتب لموظفيها في عام 2025؟، محمد سناجلة، الجزيرة، يناير 2025. الرابط: https://2u.pw/ic7bu
  • الطبقة الوسطى في البلدان العربية، الاسكوا، الأمم المتحدة، 2023. الرابط: https://2u.pw/1B0X9

 

شَارِك المَقَال