مشاركة

تمرّ سوريا اليوم بمرحلة حرجة بعد سنوات طويلة من الحرب؛ حيث أصبح تمويل التنمية وإعادة الإعمار أحد أهم التحديات الوطنية. الأضرار الهائلة في البنية التحتية والخدمات الأساسية تتطلّب موارد مالية ضخمة تتجاوز قدرة الدولة على التمويل من الإيرادات المحلية وحدها. أمام هذا الواقع، يُطرح السؤال الأساسي: هل يمكن لسوريا تمويل إعادة الإعمار والتنمية من دون الاعتماد على القروض الدولية، أم أن الاستدانة أصبحت خيارًا لا مَفَرّ منه؟

 

الاقتراض الدولي يُوفّر لسوريا الموارد الضرورية بسرعة نسبية، ويدعم مشاريع البنية التحتية، الصحة، التعليم، والكهرباء، ويعطي دفعةً أوّليةً للاقتصاد المتعثّر. المؤسسات المالية الدولية تمتلك خبرة كبيرة في إدارة التمويل ومتابعة المشاريع؛ ما يُقلل بعض المخاطر التشغيلية ويعطي إشارات إيجابية للأسواق والمستثمرين المحليين والدوليين. بهذا الشكل، يمكن لسوريا الاستدانة بطريقة محسوبة آمِنَة نسبيًّا إذا ارتبطت القروض بمشاريع إستراتيجية محدّدة تُدِرّ عوائد اقتصادية مستدامة، مثل مشاريع الكهرباء أو إعادة بناء الموانئ والطرق الحيوية.

 

مع ذلك، يرافق القروض الدولية مخاطر كبيرة يجب أن تؤخَذ بعين الاعتبار، معظم القروض تأتي بشروط اقتصادية صارمة، قد تشمل فرض سياسات تقشّفية، تقليص الدعم الاجتماعي، أو إعادة هيكلة بعض القطاعات الحيوية. الاعتماد المفرِط على القروض الخارجية يزيد من حجم المديونية ويَحُدّ من استقلال القرارين الاقتصادي والسياسي، ويجعل التعافي أكثر هشاشة أمام تقلّبات الأسواق العالمية أو الأزمات الاقتصادية الدولية. كما أنّ أيّ إخفاق في إدارة هذه القروض قد يُضعِف الثقة الدولية ويؤثر في فرص الاستثمار المستقبلي.

 

على الجانب الآخر، التمويل المحلي يمنح سوريا قدرةً أكبر على التحكُّم في أولويات الإنفاق والحفاظ على السيادة الاقتصادية. ويمكن زيادة الإيرادات من خلال تحسين جَمْع الضرائب، تحفيز الاستثمار المحلي، وتعزيز القطاع الخاص، إضافةً إلى استغلال الموارد الطبيعية بشكلٍ أفضل. توجيه هذه الأموال نحو المشاريع الأساسية يضمن كفاءة الإنفاق ويُقلّل الهَدْر؛ ما يعزّز التنمية المستدامة ويقوّي الاقتصاد الداخلي على المدى الطويل.

 

مع ذلك، التمويل المحلي وحده يُواجه تحديات كبيرة؛ الاقتصاد السوري يعاني ضعف القدرة الإنتاجية، انخفاض الاحتياطات النقدية، وتراجع ثقة المستثمرين المحليين والدوليين. الاعتماد الكامل على الموارد الداخلية قد يُبطئ وتيرة إعادة الإعمار ويترك أجزاء واسعة من البنية التحتية والمجتمع دون دعمٍ كافٍ؛ ما يزيد المخاطر الاجتماعية والسياسية ويُهدّد الاستقرار الداخلي.

 

الحلّ الواقعي لسوريا يكمن في إستراتيجية تمويل مختلطة تَجْمع بين التمويل المحلي والقروض الدولية المدروسة. يمكن توجيه القروض نحو مشاريع إستراتيجية بعوائد طويلة الأمد، مثل البنية التحتية، الطاقة، والمشاريع الصناعية، بينما يتم تمويل الاحتياجات الاجتماعية والخدمات الأساسية من الموارد المحلية. هذا التوازن يُقلّل المخاطر المرتبطة بالديون الخارجية، ويحافظ على استقلال القرار الوطني، مع ضمان استمرار وتيرة إعادة الإعمار والتنمية.

 

في النهاية، قدرة سوريا على الاستغناء عن القروض الدولية محدودة، بينما الاعتماد الكامل على الخارج يحمل مخاطر كبيرة على السيادة والاقتصاد. أفضل خيار في الوضع الحالي هو اعتماد التمويل المختلط مع التركيز على الشفافية، وجذب الاستثمارات المحلية، وضمان استفادة المواطنين من مشاريع التنمية بشكل مباشر ومستدام، بما يُحقّق إعادة الإعمار دون زيادة الأعباء المستقبلية على الدولة والمواطنين.

 

 

مشاركة