شَارِك المَقَال

في نهاية القرن الثامن عشر كانت أمريكا تَخُوض حرب الاستقلال، كلّ المؤشرات كانت تشير إلى أن أمريكا في طريقها لحربٍ لا تنتهي، لكنّ حِكْمة جورج واشنطن قادت أمريكا للاستقلال. لكنْ بقيتْ دولةً ضعيفةً، وزادت التحديات مع الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومرة أخرى كان للقائد دَوْر حاسِم في الانتصار، إبراهام لينكولن كان عَرَّاب خروج أمريكا من الصراعات لتبدأ بعدَها رحلة الصعود، وتنتهي بدولة عُظْمَى، تتربَّع على عرش العالَم بلا منازع؛ فالقوة الأمريكية الرَّاهنة، لم تُقدَّم على طَبَق من ذهب، بل سبقتها حروب وتوترات كبرى.

 

مرحلة بناء الدولة في سوريا

سوريا اليوم في مرحلة بناء الدولة، وعلى الرغم من الدَّعْم الذي تُقدِّمه الدول الصديقة؛ إلا أن التحديات والمخاطر كبيرة، أخطر هذه التحديات هو الإرث الذي تركَه النظام البائد، مؤسسات فاشلة، اقتصاد منهار، بِنْيَة تَحْتية مُدَمَّرَة، وتوترات طائفية بين مُكوّنات المجتمع، وبعض الأقليات تسعى لحُكْم ذاتي.

 

خلال الأشهُر القليلة على ولادة الدولة الجديدة، واجَهَت الحكومة السورية أزمات خطيرة، منهَا أزمة الساحل، والأخطر منها أزمة السويداء، والتي شكَّلَت تهديداً لمستقبل الدولة، خاصةً أنها كانتْ بداية مشروع إسرائيلي لتقسيم سوريا بدعم من العملاء أمثال حكمت الهجري.

 

الواقعية تُحتِّم الاعتراف بأن المجتمع السوري غير مُنْسَجِم بشكل كامل، تُوجَد تواترت طائفية خطيرة، في حال خروجهَا عن السيطرة -لا سمح الله- قد تُدْخِل الدولة والمنطقة بحروب لا تنتهي، وهذه التوترات من تركة النظام البائد الذي استخدم الطائفية لتثبيت أركان حُكْمه، وهذه لا يمكن معالجتُها خلال وقت قصير، بل تحتاج لسنوات لتنمية الحسّ الوطني والانتماء للمجتمع.

 

تعدُّد الأزمات التي تُواجِه سوريا

مُطالَبَة الحكومة بدولة مستقرَّة وقوية واقتصاد مُزدَهِر خلال أشهر قليلة أمرٌ غير منطقي، والحقيقة تقول: إن الحكومة الحالية تمكَّنت من تحقيق إنجازات هامة، وبالتأكيد كان هناك أخطاء سياسية وأمنية واقتصادية، لكنَّها ضمن المعقول، وهنا يمكن ملاحظة تجربة ليبيا، والتي من سنوات طويلة تعاني من انقسام حادّ، وخطر حرب أهلية مستمرة، وهذا السيناريو لم تنزلقْ إليه سوريا.

 

الأزمات التي تُواجِه سوريا مُتوقَّعَة، وطريق بناء الدولة ليس مُعبَّداً بشكل دائم، والعبرة دائماً بالنتائج.

 

وهنا نعود لأزمة السويداء، فرغم خطورتها لكنَّها مُتوقَّعة في هذه المرحلة، والخروج منها لا يعني أبداً أنها ستكون آخر الأزمات.

 

وحتى نعرف بدقة إذا كانت الحكومة تُحقِّق نتائج إيجابيةً أم لا، لا بُدّ من مقارنتها بتجارب أخرى، لكن المُهِم هنا أن تكون المقارنة مع تجارب مماثلة، بمعنى لا نستطيع مقارنة سوريا بتركيا في الوقت الراهن، سوريا بالكاد خرجتْ من حرب مُدَمِّرَة استمرَّت 14 سنة، بينما تركيا اليوم لديها ناتج محلِّي إجمالي يتجاوز 1.1 تريليون دولار، والجيش التركي ثاني أكبر جيش في حِلْف الناتو بعد الجيش الأمريكي، وترتيبُه 11 عالمياً.

 

لذلك المقارنة هنا خاطئة، والصحيح أنْ نُقارِن سوريا الآن بتركيا خلال فترة بناء الدولة، أي خلال حُكْم أتاتورك، حينها كانت أنقرة خارجةً من الحرب العالمية الأولى، وتُواجِه تحديات خطيرةً، وهنا نجد أن سوريا مقارنةً بتركيا في تلك الفترة، تُحقِّق إنجازات جيدةً نسبياً.

 

أهمية ترتيب الأولويات

الديمقراطية وحقوق الإنسان من القضايا الهامة، والحكومة السورية مُطالَبَة أيضاً بالعمل على تحقيقها، خاصةً أنها مِن أبرز القضايا التي انتَفَض لأجلها السوريون عام 2011. وهنا تظهر أهمية ترتيب الأولويات؛ ففي الوقت الراهن الأولوية القصوى لتحقيق الأمن، وتخفيف مستوى الفقر. إضافةً إلى ذلك، فإن الاستعجال في تطبيق الديمقراطية دون وجود مُؤسَّسات فاعلة، قد يقود لنتائج سلبية، مثل ديمقراطية لبنان، والتي كرَّسَت الانقسام وأفرزتْ طبقةً سياسيةً مُتحكِّمةً بالدولةِ.

 

في النهاية، طريق بناء الدولة حافِل بالتحديات، والمخاطِر التي تُواجِهُها سوريا مُتعدِّدَة، مَخاطِر داخلية وخارجية، أمنيَّة واقتصادية واجتماعية، ورغم خطورتها ما تزال ضِمْن الحد المعقول.

شَارِك المَقَال