يُثير اللقاء الذي جمَع الرئيس أحمد الشرع مع مسؤولي شركة “شيفرون” الأمريكية أسئلةً واسعةً حول دلالاته، خصوصًا أنه يأتي في لحظةٍ تشهد فيها المنطقة تحوُّلات متسارعة في ملفَّات الطاقة والسياسة والدبلوماسية. فالحديث عن تعاون محتمَل في مجال استكشاف النفط والغاز قبالة السواحل السورية لا يمكن عَزْله عن السياق الدولي، ولا عن مقاربة واشنطن المُتَبَدِّلة تجاه الشرق الأوسط، ولا عن حسابات دمشق التي تبحث عن قنوات انفتاح جديدة تُخفِّف من ضَغْط الأزمة الممتدة منذ سنوات.
ورغم أن الخطوة لا تُشكِّل إعلانًا رسميًّا عن بَدْء استثمارات أمريكية فِعْلية؛ فإن مجرد الحوار مع واحدة من أكبر شركات الطاقة في العالم يعكس تطورًا لافتًا. فواشنطن، التي اعتمدت طيلة السنوات الماضية على أدوات الضغط والعقوبات، تبدو اليوم أكثر انفتاحًا على مقاربة مَرِنَة تُبْقِي لها حضورًا في ملف حساس مثل قطاع الطاقة في شرق المتوسط. وهذا الانفتاح، إنْ تطوَّر، قد يشير إلى رغبة أمريكية في إعادة تموضع هادئ داخل سوريا عبر البوابة الاقتصادية بدل السياسية أو العسكرية.
من زاوية أخرى، يُدرك صُنّاع القرار في دمشق أنّ أيّ انفتاح على شركات غربية كبرى يمنح إشارات مهمة للأسواق الدولية، ويُعزّز فكرة أن الاقتصاد السوري قابِل للعودة التدريجية إلى خارطة الاستثمار، حتى لو كانت الطريق طويلة ومُعقَّدة. فالتعاون مع شركة بحجم “شيفرون” يُقْرَأ كخطوة تمنح قطاع الطاقة السوري قيمة إضافية، وتُعيد وَضْعه على رادار الشركات العالمية التي كانت تتجنَّب الاقتراب من الساحة السورية بسبب المخاطر السياسية والقانونية.
لكنّ هذا المسار ليس سهلًا؛ إذ تبقى البيئة التشريعية والسياسية مرتبطة بمواقف واشنطن ومقاربتها للعقوبات. فدخول الشركات الأمريكية إلى مشاريع الطاقة في سوريا يحتاج إلى توافقات مُعقَّدة داخل الإدارة الأمريكية نفسها، كما يحتاج إلى رؤية واضحة حول مستقبل العلاقات مع دمشق. لذلك، يَنْظر كثير من المراقبين إلى اللقاء على أنه “اختبار سياسي” أكثر من كونه تفاهمًا اقتصاديًّا ناجزًا، لكنّه اختبار يحمل دلالات مُهِمَّة حول إمكانية تغيير قواعد اللعبة مستقبلًا.
كما أن انخراط شركة أمريكية في مشروع استكشاف الطاقة السورية، إنْ حَدَث، سيُعيد خَلْط الأدوار بين القوى الفاعلة في الملف السوري، التي كانت تَحْتكر التعامل مع قطاع الطاقة لسنوات. وستكون واشنطن -عبر شركاتها- حاضرة بشكلٍ مباشر في منطقة كانت تتحرَّك فيها أطراف أخرى بشكلٍ أكبر، ما يمنحها وزنًا إضافيًّا في صياغة الترتيبات المستقبلية سواءٌ الاقتصادية أو السياسية.
ومع ذلك، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل يُشكّل هذا اللقاء مؤشرًا على بداية مرحلة جديدة في مقاربة واشنطن للملف السوري؟ هل تسعى الشركات الأمريكية إلى فتح خطوط تعاون محسوبة بعيدًا عن الاصطفافات الحادة؟ وهل يمكن أن تتحوَّل الخطوة إلى بداية دخول شركات غربية أخرى تبحث عن دور في أسواق الطاقة الناشئة في شرق المتوسط؟
حتى الآن، لا يمكن الجزم بأن الاستثمارات الأمريكية بدأت فعليًّا بالدخول إلى سوريا، لكن يمكن القول: إن بوابة الحوار قد فُتِحَت، وإن السياق الدولي والإقليمي يدفع الأطراف إلى إعادة حساباتها، بحثًا عن ترتيبات أكثر واقعية وفائدة. ومع تعقُّد مشهد الطاقة عالميًّا، قد تجد الشركات الأمريكية في الساحل السوري فرصة إستراتيجية تستحقّ المتابعة، وقد تجد دمشق في هذه الخطوة نافذة لإعادة بناء قطاع يُعدّ من أهم ركائز مستقبلها الاقتصادي.