شهدت العلاقات التجارية بين السعودية وسوريا خلال عام 2025 تطورًا لافتًا، تجسَّد في تضاعف الصادرات السعودية إلى السوق السورية لتصل إلى نحو 1.2 مليار ريال خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، أي: ما يعادل نحو 320 مليون دولار أمريكي، مقارنةً بنحو 558 مليون ريال في عام 2024م، ما يعادل نحو 150 مليون دولار أمريكي. هذا الارتفاع يأتي في سياق إقليمي مُعقَّد، تتداخل فيه التحديات اللوجستية والقيود المالية مع مُؤشِّرات انفتاح اقتصادي حَذِر، ما يَطْرح تساؤلات جوهرية حول أسباب هذا النموّ، وآفاق استدامته، والقطاعات المُرشَّحة لقيادته مستقبلًا.
جدير بالذكر أن العلاقة الاقتصادية بين السعودية وسوريا ليست جديدة، فقد كانت المملكة شريكًا رئيسًا للاقتصاد السوري خلال العقود السابقة؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 2 مليار دولار في عام 2010. ما نشهده اليوم يمكن اعتباره استعادةً وترميمًا لهذه الشَّراكة التاريخية أكثر منه بناء علاقة جديدة، وهو ما يُوفّر قاعدة قوية لتوسيع التعاون التجاري والصناعي.
في هذا الإطار، يمكن لإنشاء مناطق اقتصادية حرة مشتركة بين البلدين أن يُشكِّل مُحفِّزًا قويًّا للتجارة والاستثمار؛ من خلال تقديم حوافز ضريبية وتشغيلية للمستثمرين، وربطها بالبنية التحتية والخدمات اللوجستية، ما يدعم نموّ القطاعات الصناعية والخدمية، ويُوسِّع فُرَص العمل، ويزيد من حجم التبادل التجاري في المستقبل.
أحد العوامل الرئيسية وراء هذا الارتفاع يتمثَّل في تحسُّن المناخ السياسي والإقليمي، والذي انعكس مباشرة على مستوى التواصل الاقتصادي. فعودة القنوات الدبلوماسية وارتفاع وتيرة اللقاءات الرسمية والاقتصادية أسهما في كَسْر الجمود الذي قَيَّد حركة التجارة لسنوات، وأعطيا إشارة ثِقَة أوَّلية للقطاع الخاص السعودي للعودة إلى السوق السورية، ولو ضمن نطاقٍ مَحْسوب المخاطر.
إلى جانب العامل السياسي، لَعِب الطلب السوري دورًا محوريًّا في تحفيز الاستيراد من السعودية، فالاقتصاد السوري، يشهد محاولات تدريجية لإعادة تشغيل بعض القطاعات الصناعية والخدمية، ما رفَع الحاجة إلى الموادّ الأولية، ومواد البناء، والسلع الغذائية، والمنتجات الوسيطة. في هذا السياق، بدت السعودية شريكًا مُناسبًا بحكم قُدراتها الإنتاجية، وتنوُّع قاعدتها الصناعية، وقُربها الجغرافي النِّسبي، ما منَح صادراتها ميزةً تنافسية من حيث الكلفة وسرعة التوريد.
كما ساهمت المرونة اللوجستية في دَعْم هذا النمو، عبر الاعتماد على مسارات شَحْن بديلة وتسهيلات غير مباشرة لتجاوز عقبات التحويلات المالية، سواء من خلال وسطاء تجاريين أو آليات دفع غير تقليدية. ورغم أن هذه الحلول لا تزال مُؤقَّتة وغير مثالية، فإنها مكَّنت من استمرار تدفُّق السلع في ظل غياب قنوات مصرفية طبيعية.
في هذا السياق، يبرز الحديث عن “الكوريدور السعودي–السوري” كممر تجاري محتمل يمكن أن يتحوَّل إلى رَافِعة حقيقية للتبادل التجاري والاستثماري إذا ما توافرت له الشروط اللازمة. نجاح هذا “الكوريدور” لا يرتبط فقط بالبنية التحتية أو الجغرافيا، بل يتطلَّب إطارًا مُؤسَّسيًّا واضحًا يشمل تسهيلات جمركية، وتنظيمًا لوجستيًّا، وآليات دَفْع آمِنَة، وضمانات قانونية تُقلّل من المخاطر على المستثمرين. دون ذلك، سيبقى المفهوم أقرب إلى رؤية سياسية منه إلى مشروع اقتصادي متكامل.
أما على مستوى القطاعات المُرشَّحة لقيادة النمو خلال المرحلة المقبلة، فتأتي موادّ البناء والمقاولات في المقدمة، مدفوعةً بالحاجة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية والمساكن. يليها قطاع الصناعات الغذائية، في ظل سعي سوريا لتعويض نَقْص الإنتاج المحلي وتحقيق أمْن غذائي نِسْبي. كما تبرز قطاعات الأدوية والمستلزمات الطبية، والبتروكيماويات، والمُنتَجَات البلاستيكية، باعتبارها سلعًا أساسية ذات طلب مستقر.
في المحصلة، يعكس تضاعف الصادرات السعودية إلى سوريا في 2025 تلاقي عوامل سياسية واقتصادية في لحظة إقليمية مواتية نسبيًّا، غير أن تحويل هذا الزَّخَم إلى مسارٍ مستدام سيبقى مرهونًا بقُدرة الطرفين على مُعالَجة التحديات البنيوية، وفي مقدمتها القيود المالية واللوجستية وبيئة الأعمال، بما يُحدِّد ما إذا كان هذا التطوُّر خطوةً عابرة أم بداية شراكة اقتصادية أعمق.