شَارِك المَقَال

في 10 يوليو 2025، انتقد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيث، بـ “جرأة” ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان، ليُعلن صراحةً بأن “الكارثة الإنسانية التي ارتكبتها حكومة نتنياهو فضيحة ستُسجل في كتب التاريخ كواحدة من أحلك فصول القرن الحادي والعشرين”، و”أن أوروبا لا تبذل جهداً كافياً لوقف هذه الإبادة الجماعية”.

 

لا يعد هذا التصريح هو الوحيد لـ”سانشيث” أو مسؤولي إسبانيا بل سبقه العديد من التصريحات المنددة بصمت المجتمع الدولي خاصة الاتحاد الأوروبي إزاء جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

 

دور الصراع الفلسطيني في مسار علاقات إسبانيا وإسرائيل

مؤخراً، بدأت خريطة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل تأخذ شكل مغاير لما اعتاد عليه العالم لسنوات طويلة. قاد هذا التحول، إسبانيا التي تعد إحدى الدول الأوروبية الأقرب إلى الدول العربية التي تتقاطع معها جغرافياً وتاريخياً من خلال قرون من الإرث العربي الإسلامي في الأندلس.

 

هذا التشابك يفسر أيضاً حالة التذبذب التي تشوب العلاقات السياسية بين إسبانيا وإسرائيل طيلة عقود متأثرة بمسار القضية الفلسطينية. وقد ظهر هذا في فترة حكم الجنرال فرانكو الذي رفض الاعتراف بإسرائيل وركز على تعزيز علاقات بلاده مع الدول العربية لأسباب جيوسياسية واقتصادية تصدرها النفط.

 

بعد رحيل فرانكو في نوفمبر 1975، اعترفت مدريد بإسرائيل عام 1986، في تحول تدريجي بالسياسة الخارجية الإسبانية. ورغم تأخر هذا الاعتراف مقارنة بدول أوروبية أخرى، إلا أن إسبانيا عززت دورها كجسر بين أوروبا والشرق الأوسط، ليخرج مؤتمر مدريد للسلام إلى النور عام 1991، في محاولة منها لإحياء عملية السلام وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر المفاوضات.

 

مع اتخاذ الصراع شكلاً أكثر دموياً بعد أكتوبر 2023، أعادت إسبانيا تشكيل موقفها من القضية الفلسطينية، لتبدأ سلسلة من الخطوات الفعلية لدعم حقوق الفلسطينيين، ومن أبرزها: إعلانها إلى جانب النرويج وإيرلندا الاعتراف بدولة فلسطينية في 28 مايو 2024، في خطوة أثارت غضب إسرائيل.

 

العقوبات وحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل

تواصلت جهود إسبانيا تجاه دعم القضية الفلسطينية، لتستضيف في مايو 2025، قمة جمعت مسؤولين عرباً وأوروبيين لدعم “حل الدولتين”؛ مما أكَّد أن إسبانيا تعتمد سياسة خارجية أكثر استقلالاً، وأنها أصبحت في صدارة الدول الأوروبية التي تُعارض سياسات حكومة بنيامين نتنياهو.

 

أثار التحرك الإسباني غضباً كبيراً في إسرائيل، التي ردَّت بحملات إعلامية هجومية، حتى إنها نشرت فيديوهات تربط بين الثقافة الإسبانية مثل رقصة الفلامنكو الشهيرة وبين هجمات حماس، في تصعيد دبلوماسي غير مسبوق.

 

رغم التصعيد الإسرائيلي ضدها، استمرت إسبانيا في خطواتها وطالبت الاتحاد الأوروبي على لسان وزير خارجيتها، خوسيه مانويل ألباريس، باتخاذ ثلاثة إجراءات ضد إسرائيل هي: تعليق اتفاقية الشراكة، وفرض حظر على الأسلحة، وفرض عقوبات على المسؤولين عن عرقلة عملية السلام.

 

بموجب اتفاقية الشراكة “المثيرة للجدل” التي دخلت حيز التنفيذ منذ 25 عامًا، صدّرت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أسلحة وذخائر بقيمة 53 مليون يورو إلى إسرائيل منذ أكتوبر 2023. من الدول الأوروبية التي وجه إليها أصابع الاتهام “ألمانيا” لانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية واتفاقية جنيف الرابعة والقانون الإنساني الدولي، بعدما سمحت بتصدير أسلحة نارية وذخائر ومعدات عسكرية إلى إسرائيل.

 

رغم نفي برلين تورطها في انتهاك القوانين المتعارف عليها في القضية المعروضة على محكمة العدل الدولية في أبريل 2024 من جانب نيكاراغوا، توضح الأرقام حجم عمليات تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. فمثلاً، كشف البوندستاغ الألماني عن إجمالي قيمة الدعم العسكري المقدم في الفترة من 7 أكتوبر 2023 إلى 13 مايو 2025، والمقدر بـ 485,103,796 يورو. مما يبرز أهمية التحرك الإسباني على صعيد المطالبة بتعليق الاتفاقية.

 

تغير الموقف الأوروبي لم يتوقف على ردود الفعل الإسبانية بل قابله تصعيد من جانب بريطانيا، والسويد، وألمانيا، وفرنسا، على العكس من الخطاب القديم الذي كان دائماً ما يبرر عدوان إسرائيل على القطاع. كما ظهرت ملامح التغيير أيضاً في أبريل 2025، عندما أعلنت باريس بدء إجراءات الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالتنسيق مع بريطانيا وكندا.

 

الخاتمة

نعم، لا تزال المواقف الأوروبية متباينة وتقوم على المصالح السياسية والاقتصادية، لكن ما يحدث في الشارع الأوروبي وداخل أروقة الحكومات يؤكد وجود مراجعات حقيقية للسياسات. لا سيما أن ما يحدث في قطاع غزة منذ عامين تقريباً يتعارض كلياً مع حقوق الإنسان التي تَنصِّب أوروبا نفسها المدافع الأول عنها في العالم.

 

المشهد الحالي يؤكد أيضاً أن إسبانيا اختارت منذ الوهلة الأولى لبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الدفاع عن الفلسطينيين والوقوف بوضوح إلى جانب القانون الدولي.

 

 

شارك المقال

 

المراجع:

  • فرانكو.. الجنرال الذي حكم إسبانيا بقبضة من حديد، شبكة الجزيرة، أبريل 2016. الرابط: https://short-link.me/17z40
  • اعتراف دول أوروبية بفلسطين.. تداعيات دبلوماسية وغضب إسرائيلي، الشرق للأخبار، مايو 2024. الرابط: https://short-link.me/13jf3
  • Weapons worth €53 million exported to Israel under EU trade deal since October 2023, May 2025. The link: https://short-link.me/13jvT
  • The Fall and Rise of German Arms Exports to Israel: Questions for the International Court of Justice, Adil Ahmad Haque, June 2025. The link: https://short-link.me/17ztE

 

شَارِك المَقَال