شَارِك المَقَال

تقع سوريا في بؤرة إقليمية فريدة جعلت منها ممراً تجارياً مهماً في الشرق الأوسط. يُؤمّن لدول الجوار (لبنان وتركيا والعراق والأردن) تدفق المواد الغذائية إلى أسواقها. ليس هذا فحسب. بل تؤثر على المستوى العالمي لكونها تربط طرق الإمدادات بأوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى والخليج. والسؤال هنا: كيف تضرّر الأمن الغذائي في الجوار السوري من تعطل التبادل التجاري مع دمشق؟

 

كيف كانت سوريا مفتاح الأمن الغذائي للشرق الأوسط؟

هناك الكثير من الطرق التي كانت تُستخدم -قبل الثورة- في نقل الإمدادات الغذائية من سوريا وإليها وخلالها. فكان لبنان يُصدر منتجاته الزراعية والغذائية إليها عبر معبر المصنع. ومن هناك كانت المنتجات تنتقل إلى المملكة الأردنية عبر معبر نصيب الحدودي ثم إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

 

كانت تركيا تُصدر منتجاتها عبر طريقين. الأول إلى سوريا عبر معبر باب الهوى. ومن هناك إلى الأردن ودول الخليج. والثاني عبر معبر نصيبين باتجاه معبر الرابية أو معبر البوكمال عند الحدود العراقية. فالأردن والعراق كانا يعتمدان على الممر السوري في استيراد السلع الغذائية من أوروبا وروسيا.

 

كيف أثرت الحرب في سوريا على حركة التجاري الإقليمية؟

إن سوريا هي مفتاح الأمن الغذائي للشرق الأوسط. وكان لاندلاع الأعمال العسكرية على أراضيها منذ 2011م تأثير سلبي على الأمن الغذائي لها وللبلدان المحيطة. فمن ناحية تراجع إجمالي الإنتاج الزراعي في سوريا ودول الجوار مع تزايد حدة النشاط العسكري والنزوح السكاني والوصول المحدود للمياه.

 

ومن ناحية أخرى تراجع إجمالي التبادل التجاري الزراعي مع سوريا وعبرها. نتيجة للتحول إلى طرق تجارية بديلة لتجنب الأعمال العسكرية والحدود المغلقة. أدى هذا التحول إلى الاستعانة بطرق أطول مسافةً ومحاطة بمخاطر أكبر. ما تسبب في زيادة تكاليف النقل وخلل واضح في سلاسل الإمداد.

 

عمدت لبنان وتركيا -بعد الثورة السورية- إلى التحول بعيداً عن الأراضي السورية. واتجهتا نحو الشحن البحري والجوي لنقل منتجاتهما إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ويتسلم الأردن وارداته عن طريق الأراضي الفلسطينية المحتلة وميناء العقبة. وتمر الواردات العراقية من تركيا عبر إقليم كردستان.

 

استمرار الثورة وتطور الأعمال العسكرية جعلا الإنتاج الزراعي السوري يدور في حلقة مفرغة. تسببت في تداعيات سلبية على سلاسل التموين الغذائي. بدءاً من المنتجين والمستهلكين وصولاً للتجار وحكومات المنطقة. وظهر نقص شديد في السلع الأساسية وارتفاع جنوني في الأسعار وخسارة في العائدات.

 

تراجعت مؤشرات التبادل التجاري بين سوريا ودول جوارها. فمثلاً تراجعت الصادرات الغذائية والزراعية من الأردن لدمشق من 89 مليون دولار في 2010م لـ27 مليون دولار في 2016م. وتراجعت الواردات من 272 مليون لـ64 مليون في الفترة ذاتها. فخسر التجار والمستهلكون الأردنيون مصدراً غذائياً أساسياً.

 

تحوّل المصدّرون اللبنانيون نحو الشحن البحري والجوي لنقل منتجاتهم للعراق والخليج بدلاً من المرور في الأراضي السورية. ما تسبّب في ارتفاع بنحو 60% في التكاليف مقارنةً بالشحن البري. الأمر الذي أدى لتراجع أرباح هذه الصادرات. بالنظر أيضاً لوجود تكاليف إضافية ومتزايدة لتأمين الشحن.

 

متى يتم استئناف النشاط التجاري بين سوريا ومحيطها الإقليمي؟

تهدئة الأوضاع العسكرية في سوريا واستئناف حركة التجارة مع دول الجوار يساهمان في إرساء دعائم الأمن الغذائي في المنطقة بأسرها. وحتى لو تأخرت التسوية السياسية الشاملة فإن هذا المنطلق قد يشكّل أساساً لوقف الاقتتال. ويؤمّن بدء عملية إعادة الإعمار واستئناف الترتيبات التجارية الثنائية.

 

ما يؤكد ذلك استئناف النشاط التجاري بين سوريا والأردن. حينما أعيد فتح معبر نصيب الحدودي في أكتوبر 2018م أعاد هذا الانتعاش لمؤشرات التبادل التجاري السوري مع دول الجوار. وتفاءل المزارعون والصناعيون العاملون في القطاع الغذائي في لبنان خاصةً. وبدأوا بالتصدير لكن على مسؤوليتهم الخاصة.

 

استئناف التجارة الثنائية مع سوريا له أهمية حيوية للتصدي لانعدام الأمن الغذائي في العراق. خاصةً مع تردي الحالة الزراعية لمحافظات حيوية تؤمّن السلة الغذائية للبلاد. مثل الأنبار وصلاح الدين ونينوى. بعد أن عُزلت عن الطرق التجارية الخاضعة لسيطرة “داعش” في شرق سوريا.

 

بالنسبة إلى تركيا فإن استئناف التبادل التجاري مع سوريا لن يساهم في تغيير كبير في سلسلة الإمدادات الغذائية. لكنه يساهم في خفض تكلفة تصدير المنتجات الغذائية وزيادة الربحية. لا سيما في المدن الكبرى والبلدات الحدودية مثل أنطاكية وغازي عنتاب وأورفة وهاتاي وأضنة ومرسين وكلس ومردين.

 

من شأن فتح الحدود بين سوريا وتركيا أيضاً أن يؤدي لاستئناف عمليات الشحن البري للمنتجات الغذائية والزراعية التركية بالطرق التجارية السورية. وارتفاع مؤشرات تصدير الخضار والفواكه الطازجة واللحوم التركية إلى أسواق مجلس التعاون الخليجي. والاستغناء عن الشحن البحري والجوي الأكثر تكلفة.

 

إن استفادة سوريا من استئناف التجارة مع دول الجوار كبيرة للغاية. فستدعم موازنتها بأموال ضخمة في صورة رسوم جمركية وضريبية على المواد الغذائية المنقولة تساهم في تأمين تكاليف إعادة الإعمار. إلى جانب إعادة الحياة للقطاع الزراعي وهو ثاني أكبر جهة للتوظيف في البلاد بعد القطاع الحكومي.

شَارِك المَقَال