شَارِك المَقَال

مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، سيطرت حالة من الخوف على المصارف المركزية، وقد انعكس ذلك على أسعار الفائدة التي ارتفعت من مستويات تقترب من الصفر إلى نحو 4% بنهاية عام 2023.

 

لكن تغير الوضع نسبياً في صيف 2025 رغم ارتفاع وتيرة الاضطرابات العالمية نتيجة الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وفشل المفاوضات التجارية بين أمريكا والصين، حيث خرجت بريطانيا من السباق المحموم لأسعار الفائدة ليعلن محافظ البنك المركزي صراحةً “الحرب لا تُغير الفائدة”.

 

سياسة الفائدة في بريطانيا

رأت بريطانيا أن مسار أسعار الفائدة لا ينبغي أن يتغير بسبب انفجار صاروخ ما أو تصريح جمركي لبلد آخر، في خطوة تدل على اختيار البلد الأوروبي لفصل سياساته النقدية عن الاضطرابات العالمية.

 

تغير الموقف البريطاني جاء لتصحيح مسار اقتصادي ارتبط لسنوات بالأحداث المضطربة، حتى أصبحت البنوك المركزية في أوروبا -على وجه التحديد- تُدار بردود الأفعال مع كل اضطراب أو تهديد يحدث، بدءًا من جائحة كوفيد-19.

 

ظهر هذا الموقف بوضوح في قرار بنك إنجلترا (BoE) خلال جلسة السياسة النقدية في يونيو 2025 عندما قرر تثبيت سعر الفائدة عند 4.25%، رغم العديد من الأحداث العالمية منها: التصعيد الإسرائيلي الإيراني، والخلاف الجمركي الحادّ بين بكين وواشنطن، وكذلك التحذيرات من تراجع النمو العالمي.

 

ليحسم محافظ بنك إنجلترا “أندرو بيلي” الأمر بقوله: “مهمتنا ليست الرد على كل حدث دولي، بل ضبط الاستقرار بناءً على أساسيات الاقتصاد البريطاني”، مشدداً على أن أدوات السياسة النقدية يجب أن تبقى “محلية الجذور” حتى لو طافت العواصف فوق رؤوس الجميع.

 

التضخم وأسعار الفائدة في بريطانيا

ربط محافظ بنك إنجلترا بين خفض أسعار الفائدة والتضخم في أحدث تصريحاته، حيث صرّح إن “مسار أسعار الفائدة تنازلي”. كما أشار إلى نمو الاقتصاد البريطاني يسير بأقل من إمكاناته، فقد انكمش اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 0.1% في مايو، بعد أن انكمش أيضًا في أبريل، الأمر الذي رآه “بيلي” يُتيح “فترة ركود” من شأنها أن تُسهم في خفض التضخم.

 

بدورها، أيدت نائبة المحافظ “سارة بريدن” خفض سعر الفائدة دون مراعاة تأثير حالة عدم اليقين في سياسة التجارة العالمية. واستندت “بريدن” في وجهة النظر إلى أن عملية انكماش التضخم المحلي تسير كما هو متوقع.

 

حتى الآن، التزم بنك إنجلترا بوتيرة ربع سنوية لتخفيضات أسعار الفائدة. وقد خُفِّض سعر الفائدة الأساسي أربع مرات منذ بدء دورة التيسير النقدي الصيف الماضي. ومن المتوقع أن يستمر في خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه القادم في السابع من أغسطس 2025.

 

ورغم تمسك بنك إنجلترا بخفض سعر الفائدة بغض النظر عن تقدير التضخم في مايو الماضي بـ 3.4%، متجاوزًا هدف البنك البالغ 2%. إلا أن النظرة المستقبلية أكثر تشاؤمية وغموضاً، خاصة مع اعتماد المحافظ خلال تصريحاته على كلمات مثل “غير متوقع”، و”غير مؤكد”. مما يعكس الطبيعة المعقدة للاضطرابات في سياسة التجارة العالمية التي يتعامل معها البنك حاليًا.

 

الخاتمة

بناءً على مسار خفض أسعار الفائدة الذي واكب العديد من التوترات الجيوسياسية، يتبين أن قرارات بنك إنجلترا لا توجهها خريطة الصراعات بل الأرقام الداخلية. ففي عالم مضطرب، لا يعقل أن تستخدم أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد الدولي على حساب الاقتصاد المحلي.

 

هذا الأمر اتفق عليه بنك إنجلترا الذي رأى أن اتخاذ القرارات مرهون بتقييم البيانات في كل اجتماع، مع مراقبة المخاطر الجيوسياسية عن كثب دون أن يكون لها الصوت الأعلى عند تحديد السياسات النقدية، بل الأرقام هي من تتحدث.

 

شارك المقال

 

المراجع:

شَارِك المَقَال