مع إلغاء قانون قيصر سيشهد الاقتصاد السوري انتعاشًا واضحًا، لكنّ آثار إلغاء القانون لن تتوقَّف عند سوريا، بل ستطال الاقتصاد اللبناني، والذي استفاد بشكلٍ كبير من العقوبات على سوريا، واليوم غالبية هذه المكاسب ستتوقَّف أو تتراجَع بشكلٍ كبير.
خلال سنوات العقوبات كانت بيروت ثِقَلًا اقتصاديًّا إقليميًّا؛ لأنها كانت نافذة دمشق على الاقتصاد العالمي، ومع إلغاء العقوبات سيتحوَّل الثِّقَل الاقتصادي إلى سوريا، وهذا التحوُّل يشمل عدة جوانب.
بسبب العقوبات والحصار، كان لبنان ممرًّا رئيسيًّا للبضائع المتَّجهة إلى سوريا عبر التهريب المُنظَّم، الأمر الذي أنْعَش الموانئ اللبنانية. هذا الواقع وَفَّر دَخلًا كبيرًا مباشرًا وغير مباشر، يُقدَّر بمليارات الدولارات، إلا أنّ عودة النشاط التجاري إلى الموانئ السورية ستُنْهي هذا المصدر بشكلٍ شبه كامل.
قطاع النقل في لبنان، ولا سيما النقل الجوي، كان من أبرز المستفيدين من العقوبات على سوريا. مطار بيروت تحوَّل إلى محطة إلزامية لحركة السفر السورية، ما وَفَّرَ إيرادات كبيرة. اليوم، ومع بَدْء استعادة مطار دمشق لنشاطه الطبيعي، سيَخْسَر لبنان جزءًا مهمًّا من هذا الدخل.
استفاد لبنان مِن دَعْم دولي كبير لاستضافة اللاجئين السوريين، وهذا الدَّعم كان دَخْلًا مهمًّا للحكومة اللبنانية، ومع إلغاء قانون قيصر مِن المُتوقَّع بَدْء عودة اللاجئين إلى سوريا، خاصةً مع اقتراب إعادة الإعمار، ما يعني توقُّف الدعم الدولي لبيروت وخسارة تُقدَّر بمليارات الدولارات.
على مستوى القطاع المصرفي، لعبت المصارف اللبنانية دورًا محوريًّا في استقبال الحوالات السورية وتمويل الاستيراد، مُحقِّقةً عوائد كبيرة. إلا أنّ عودة المصارف السورية للقيام بهذا الدور تعني خسارة لبنان لموردٍ مالي مُهِمّ.
في المحصِّلة، سيؤدي إلغاء قانون قيصر إلى تحوُّل اقتصادي إقليمي يَنْقُل الثِّقل تدريجيًّا من بيروت إلى دمشق، ويُعِيد رسم موازين القوة الاقتصادية في المشرق، وهو ليس تغييرًا حقيقيًّا بقَدْر ما هو إعادة التوازن إلى وَضْعه الطبيعي.
الواقع الاقتصادي الجديد سيفرض تحديات قاسية على لبنان، والذي يُواجه أساسًا أزمة مالية قاسية، هذا الأمر قد يزيد من الانقسام السياسي الداخلي، ويدفع الحكومة باتجاه إجراءات صارمة تجاه نزع سلاح ميليشيا “حزب الله”، خاصةً أن الدعم الدولي لبيروت مُرتبط بنزع سلاح الحزب.