قرار الحكومة اللبنانية إعادة 15 ألف لاجئ سوري إلى سوريا شهرياً بحجة انتهاء الحرب. يعد خرقاً واضحاً لالتزامات لبنان الدولية التي أقرتها مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتجاهلاً للمساعدات الدولية التي حصلت عليها بيروت لدعمها مالياً لاستقبال اللاجئين.
ترى الحكومة اللبنانية أن سوريا أصبحت أكثر أماناً الآن. وأن القرار لن يضر اللاجئين. إلا أن هذا القرار يعد غير إنساني. ناهيك عن ثغراته القانونية. وخرقه لالتزامات لبنان أمام المنظمات الدولية ذات الصلة.
أولاً: يتم تنفيذ القرار دون تنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وهو قرار يصطبغ بالصبغة الدولية. ويجب أن يراعي المواثيق الدولية. ويتم تنفيذه بعد موافقة المفوضية التي سبق وأن قدمت مساعدات مالية للبنان لدعم اللاجئين.
ثانياً: على عكس رؤية الحكومة اللبنانية. فسوريا ليست آمنة للعائدين. حيث واجه اللاجئون السوريون الذين عادوا بين عامي 2017 و 2022م من لبنان والأردن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فضلاً عن الاضطهاد على يد أجهزة النظام الأمنية.
ثالثاً: تغافلت حكومة لبنان عن مبدأ أن أي إعادة قسرية للاجئين إلى سوريا يعد انتهاكاً لالتزام لبنان بعدم إعادة الأشخاص قسراً إلى بلدان يواجهون فيها خطراً واضحاً بالتعرض للتعذيب أو غيره من الاضطهاد.
رابعاً: تعرض الاقتصاد السوري والبنية التحتية للدمار بسبب أكثر من 10 سنوات من الصراع والعقوبات. مع عدم وجود شبكات معلومات موثوقة للسوريين تمكنهم من اتخاذ قرارات واضحة بشأن العودة. ومع افتقار وكالات الإغاثة الدولية للوصول الكافي للمعلومات لرصد عمليات العودة. يجب عدم إجبار اللاجئين على العودة.
في الحقيقة لا توجد إحصائية دقيقة لعدد السوريين في لبنان. فالأمن العام اللبناني يقدر أعدادهم بـ 2,8 مليون لاجئ. بينما تظهر بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين وجود 840 ألف لاجئ مسجل بشكل رسمي. فعدد اللاجئين السوريين في لبنان يعد الأعلى بين الدول المستضيفة لهم بعد تركيا.
لكن مع الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان بدءاً من عام 2019م بدأت بعض الأصوات بتحميل السوريين مسؤولية الانهيار. وهو ما دعا العديد من المسؤولين اللبنانيين للمطالبة بترحيلهم.
علاوةً على ذلك فقد حاول عدد متزايد من الأشخاص -معظمهم من اللاجئين السوريين والفلسطينيين إضافةً لبعض اللبنانيين- مغادرة البلاد والوصول إلى أوروبا عن طريق البحر. هرباً من جحيم الأزمة الاقتصادية بلبنان. ولكن المحاولات غالباً ما انتهت بكوارث وموت في البحر.
على مدى السنوات الأربع الماضية شهد لبنان أيضاً واحدةً من أشد وأطول فترة الكساد التي شهدها العالم. حيث وصل أكثر من 80% من السكان إلى خط الفقر. وقد تدهور وضع اللاجئين أيضاً. حيث تحتاج 90% من العائلات إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة.
يطالب العديد من اللبنانيين بترحيل السوريين. منهم مسؤولون رسميون وقادة رأي ورجال دين. ومنهم البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي دعا النواب إلى العمل بشكل عاجل على عودة اللاجئين. حيث يرى أن اللاجئين يمثلون ضغطًا على البنية التحتية والخدمات. لكنه تغافل عن حصول اللاجئين على مساعدات أممية قد تكون أداة الإنعاش الوحيدة لاقتصاد بلاده.
من جهة أخرى فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الداخلية والعديد من قادة الأحزاب يدعمون قرار الحكومة بترحيل السوريين. ووهناك قرار بمنع أي تظاهرات للسوريين تهدف للاحتجاج على القرار.
مما لا شك به أن السوريون شكلوا ضغطاً على البنية التحتية اللبنانية. لكن الموضوعية تحتم النظر للموضوع نظرةً شاملةً. فالسوريون ليسوا المسؤولين عن أزمة المصارف اللبنانية. كما أن لهم أثراً اقتصادياً إيجابياً وواضحاً في لبنان.
من ناحية أخرى فمنذ عام 2015م وحتى ديسمبر 2022م تلقى لبنان أكثر من 9 مليارات دولار لدعم اللاجئين السوريين. وفي عام 2022م وفي ظل الأزمة الاقتصادية طالبت الحكومة اللبنانية بالحصول على 3,2 مليار دولار إضافية.
علاوةً على ذلك يجمع برنامج LCRP -وهو برنامج إغاثي لدعم الاقتصاد اللبناني تم إطلاقه في أعقاب تفجيرات ميناء بيروت- من أكثر من 126 شريكاً في المجال الإنساني لمساعدة 3,2 مليون شخص في لبنان هذا العام. نصفهم من اللبنانيين أنفسهم. والباقي من اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
كما يقدّم هذا البرنامج مساعدات نقدية شهرية لما يقرب من 60 ألف أسرة لبنانية. حيث تم تقديم 2,3 مليون استشارة صحية مدعومة في 2021م. كما تم ضخ أكثر من 375 مليون دولار في الاقتصاد من خلال دعم الأسر السورية واللبنانية والفلسطينية. وتلقى حوالي 2,1 مليون شخص من هذه المجتمعات مساعدات غذائية ونقدية.
فضلاً عن أن منظمة تينت Tent Foundation الأمريكية ذكرت في تقرير علمي أن إنفاق يورو واحد على اللاجئين يحقق مكاسب اقتصادية للدولة المضيفة تبلغ 2 يورو في غضون خمس سنوات. وهو ما يتجاهله المطالبون بترحيل السوريين.
بالإضافة إلى ذلك فقد حصل لبنان بشكل مباشر على 72 مليون دولار مساعدات أمنية أمريكية في يناير 2023م لحماية اللاجئين. في وقت يقوم فيه الجيش اللبناني بمداهمة مساكن السوريين في لبنان وتسليمهم إلى نظيره السوري عبر الحدود.
في الواقع لقد استفاد لبنان وغيره من الدول المستضيفة للاجئين السوريين من وجود السوريين فوائد كبيرة ومتنوعة. ما بين دعم مالي دولي ودعم سياسي. إلا أنه تم مقابلة هذه الأمر بضغوط عليهم وتهديد مستمر لهم بالترحيل. لذلك كان الأولى للحكومة اللبنانية الامتناع عن الاحتجاز التعسفي للسوريين والتعاون مع الأمم المتحدة لوضع حلول عملية لمساعدتهم.