إفلاس بنك سيليكون فالي هو أكبر فشل لنظام مصرفي أمريكي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008م. وهو مؤشر واضح على حجم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي. وهو ما يثير المزيد من المخاوف حول المستقبل القريب للاقتصاد الدولي.
سيلكون فالي بنك أمريكي متخصص في خدمات التمويل في قطاع التكنولوجيا. تأسس عام 1983م في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. ومع ازدياد خبراته المصرفية تحول لمؤسسة مالية عالمية لها مكاتب في العديد من الدول أبرزها المملكة المتحدة والصين وإسرائيل.
يتخصص البنك في تمويل الشركات التكنولوجية الناشئة من خلال تقديم حلول مالية متخصصة. ويشمل عملاء البنك: الشركات الاستثمارية وشركات الأسهم الخاصة والشركات العامة في مختلف القطاعات. مثل: البرمجيات والأجهزة والتكنولوجيا النظيفة وعلوم الحياة والرعاية الصحية.
كما تشمل الخدمات المالية للبنك: الخدمات المصرفية التجارية والخدمات الاستثمارية وإدارة الأصول والخدمات المصرفية الخاصة. وكان للبنك تأثير كبير في نمو ونجاح شركات مثل Google و Yahoo! و LinkedIn . واحتل البنك المركز الـ16 في تصنيف البنوك الأمريكية العام الماضي.
مع انتشار وباء كورونا عام 2019م عاش البنك “المفضل لقطاع التكنولوجيا” فترةً ذهبيةً من خلال تدفق الأموال على شركات التكنولوجيا. حيث أنفق المستهلكون مبالغ كبيرة على الأدوات والخدمات الرقمية.
مع تدفق الأموال قام البنك بالاحتفاظ بجزء صغير من ودائعه نقداً. واستخدم الباقي -كعادة باقي البنوك- لشراء ديون طويلة الأجل مثل سندات الخزانة. بهدف الحصول على عائدات ثابتة تبدو طبيعية مع أسعار فائدة منخفضة. مكنته من توفير سيولة جيدة لتمويل الشركات الناشئة.
لكن مع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمواجهة التضخم. وجد البنك نفسه في ورطة. حيث أصبحت استثماراته التي كانت آمنة أقل جاذبية مقارنةً بالسندات الحكومية الجديدة التي تقدم فائدة أعلى. كما أن ارتفاع سعر الفائدة أدى لانخفاض سعر السندات. وهو ما أفقد محفظة سندات البنك مبالغ كبيرة.
كان بإمكان البنك الاحتفاظ بتلك السندات لفترة أطول لاسترداد رأس المال. ولكن في ظل المؤشرات الاقتصادية السلبية. وتأثر شركات التكنولوجيا بشكل خاص. ومع تراجع تمويل الشركات الناشئة قام العملاء بسحب أموالهم.
في ظل هذا الواقع الاقتصادي بدأ العملاء وبشكل جماعي سحب إيداعاتهم. ولم تتمكن سيولة البنك الموجودة من تغطية طلبات السحب. وهو ما اضطر البنك لبيع بعض استثماراته بخسارة لتوفير السيولة. ولكنه لم يتمكن من توفير السيولة المطلوبة. وهو ما اضطره لإعلان إفلاسه.
بالطبع ليست كلّ مشكلات البنك مرتبطةً بارتفاع أسعار الفائدة. فالمؤسسة الفيدرالية الأمريكية للتأمين على الودائع. كانت تحمي المبالغ التي تصل لـ250 ألف دولار. أما الزيادة فلن يكون لها نفس الحماية. وكان لدى البنك عدد كبير من المودعين غير المؤمّن عليهم. الذين يميلون لسحب أموالهم أثناء الاضطراب.
على الرغم من أن سيلكون فالي بنك صغير بالمقارنة مع البنوك الأمريكية الشهيرة التي تصل أصولها إلى أكثر من 3 تريليونات دولار. إلا أن ما حدث يمكن أن يثير الذعر في عملاء البنوك الأخرى ويبدؤون في سحب ودائعهم.
خاصةً أن العملاء الذين لديهم ودائع تصل إلى 250 ألف دولار. وهو الحد الأقصى الذي تغطيه المؤسسة الفيدرالية للتأمين. سيحصلون على ودائعهم كاملة. لكن المودعين الذين لديهم مبالغ أكبر لن يستعيدوها إلا إذا تم تطبيق مبدأ “استثناء المخاطر النظامية”. والذي يسمح للحكومة بالسداد بشرط عدم تأثر الاقتصاد أو الاستقرار المالي.
فور إعلان الإفلاس انخفضت أسهم كل من First Republic Bank. و Signature Bank بأكثر من 20%. وهي بنوك من الحجم المتوسط. لكن أسهم البنوك التي تعمل في قطاعات متنوعة. ولديها قواعد عملاء أكبر في مناطق جغرافية متعددة لم تلق المصير نفسه بل ارتفعت بنسب متفاوتة.
في الحقيقة كانت استجابة الحكومة الأمريكية للأزمة سريعة. وذلك بضمان جميع ودائع عملاء البنوك. كما ارتفعت العقود الآجلة المالية التي تسمح للمستثمرين بالمضاربة على تحركات الأسعار المستقبلية. خاصةً لقطاع التكنولوجيا الأمريكي استجابةً للضمانات.
أضف إلى ذلك أن الاحتياطي الفيدرالي كشف عن برنامج جديد يسمح للبنوك باقتراض الأموال المدعومة بالأوراق المالية الحكومية لتلبية طلبات عملاء الودائع. وذلك لمنع البنوك من بيع السندات الحكومية التي فقدت قيمتها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
يمكن أن يكون لإفلاس البنك عواقب بعيدة المدى على عالم العملات الرقمية. أبرزها هو تشديد الرقابة على قطاع العملات المشفرة من قبل المنظمين. حيث كان البنك لاعباً مهماً في مجال التكنولوجيا المالية. وقد يدفع إفلاسه المنظمين لإلقاء نظرة فاحصة على عالم العملات المشفرة غير المنظم في كثير من الأحيان.
إضافةً إلى ذلك فمن المتوقع فقدان ثقة المستثمرين في قطاع العملات المشفرة. حيث اعتمدت العديد من الشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة على البنك للتمويل. وقد يؤدي إعلان الإفلاس إلى جعل المستثمرين أكثر حذراً بشأن الاستثمار في هذا القطاع.
كما قد يؤدي الإفلاس إلى تباطؤ نمو قطاع العملات المشفرة. حيث تكافح الشركات الناشئة للحصول على التمويل. كما أن الإفلاس جرس إنذار للمستثمرين والشركات الناشئة في هذا القطاع للتركيز على إدارة المخاطر وممارسات الاستثمار المسؤولة. مما يؤدي في النهاية لنظام آمن للعملات المشفرة وأكثر استدامةً واستقراراً.
في الواقع قامت البنوك المركزية حول العالم برفع أسعار الفائدة خلال العام الماضي لترويض التضخم المرتفع. حيث ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية من الصفر إلى أكثر من 4.5% بوتيرة سريعة. ولكن هذا الإفلاس يمثل جرس إنذار للفيدرالي ومن يتبعه من خطورة هذا الارتفاع المتواصل في ظل ضعف ميزانيات الشركات.
علاوةً على ذلك فهذا الانهيار يؤشر على هشاشة أي نظام مالي يعتمد على الفائدة فقط. وتوليد المال بطريقة ذاتية. فالخطأ الأكبر الذي وقع فيه البنك هو الإفراط في شراء السندات الحكومية أملاً في الفائدة المرتفعة. وعدم استغلال فوائضه المالية في مزيد من الدعم والتمويل للشركات الناشئة بمجال التكنولوجيا.