قرار المستشار الألماني شولتز بتعليق مشروع “نورد ستريم 2” لنقل الغاز الروسي لأوروبا إشارة واضحة على موقف برلين. ومن خلفها أوروبا وحلف الناتو برفض اعتراف بوتين باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك من طرف واحد. وهو رد فعل قوي قد يتبعه إجراءات عقابية أخرى نحو موسكو بسبب موقفها المتشدد في الأزمة الأوكرانية.
مشروع “نورد ستريم 2” ذو أهمية كبرى لروسيا. حيث يهدف إلى مضاعفة كمية الغاز المتدفق من روسيا مباشرةً إلى ألمانيا. متجاوزًا أوكرانيا عبر بحر البلطيق. وهو ما يصب مباشرةً في صالح الاقتصاد الروسي. ويدر عليه عوائد مالية ضخمة للغاية سنوياً. ويعني إيقافه بدء موجة جديدة من العقوبات الاقتصادية التي سوف تتعرض لها موسكو عند غزو أوكرانيا.
يتبع خط أنابيب نورد ستريم 2. الذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر تحت الماء. نفس مسار نورد ستريم 1. الذي تم الانتهاء منه منذ أكثر من عقد. وهو قادر على نقل 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا من روسيا إلى أماكن أخرى في أوروبا. ممّا قد يعزّز وصول القارة العجوز إلى الغاز منخفض السعر.
موقف ألمانيا واضح من المشروع وإن تغيرت تصريحاتها حوله. فبرلين تحصل على نصف غازها من روسيا. وكانت تَصف المشروع في البداية بأنه مشروع لتنويع إمدادات الطاقة لأوروبا. واستمرت في دعمه بقوة لسنوات. وحتى مع بدء التحرش الروسي بأوكرانيا لم يذكر المستشار الألماني أولاف شولتز خط الأنابيب عندما سُئل عن العقوبات ضد موسكو.
مع بدء الحرب أعلن المستشار الألماني تعليق الموافقة على خط الأنابيب. على الرغم من ارتفاع أسعار الغاز القياسية في أوروبا. معتبرًا الغزو الروسي لأوكرانيا “انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي”. وأنه كان من الضروري “إرسال إشارة واضحة إلى موسكو بأن مثل هذه الأعمال لن تبقى دون عواقب”.
كما يؤكد إيقاف المشروع أيضًا على تغيّر مواقف الحكومة الألمانية الجديدة بقيادة أولاف شولتز. واستجابتها للضغوط الأمريكية التي رفضت هذا المشروع. وهو موقف أكد عليه بايدن أكثر من مرة. مشددًا على توافق الرؤى مع ألمانيا. على عكس المستشارة السابقة التي أصدرت شهادة تقييم إيجابي للمشروع. ولم تر مخاطرة في قيام روسيا بتأمين احتياجات ألمانيا من الغاز.
في الحقيقة سوف تخسر أوروبا من تعليق المشروع. فهذا الخط يلبّي 40% من احتياجاتها من الغاز ويكمل شبكة خطوط الأنابيب الحالية بأوكرانيا وبيلاروسيا. وسيكون بديلاً لخط الأنابيب الأوكراني القديم الذي يحتاج لتجديد. ويقلل التكاليف عن طريق توفير رسوم النقل لأوكرانيا. ومن خلاله يمكن تجنب قطع الغاز عن القارة العجوز.
في الواقع خسارة أوروبا تتضاعف في ظل الحاجة المتزايدة إلى الغاز الروسي. لعدم وجود بديل وعدم إتمام محطات الفحم ومحطات الطاقة النووية والتي كان مخططاً لها أن تكون بديلاً للغاز الروسي. حيث تم إيقافها بسبب التغيرات المناخية. وقبل أن يتم استبدال الطاقة التي تنتجها بمصادر نظيفة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
يعتقد العديد من المراقبين الخبراء أن روسيا لن تقطع الإمدادات عن أوروبا. لأن موسكو تحتاج أيضًا إلى السوق الأوروبية. علاوة على أن الحكومة الروسية تمتلك 50% فقط من نورد ستريم 2 من خلال شركة الغاز الروسية المملوكة غازبروم. والباقي حصص متساوية لشركات هولندية ونمساوية وفرنسية وألمانية.