إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا كبديل لألمانيا يشكل نقطة تحول استراتيجية. كون الخرائط الاستراتيجية تتأثر بشكل مباشر بخطوط نقل حوامل الطاقة. وهذا الأمر سيترك تداعياته الاستراتيجية على كل من روسيا وتركيا والاتحاد الأوروبي. وهو ما يتطلب تحليلاً دقيقاً لأسباب هذا القرار وتداعياته.
في الحقيقة جاءت الفكرة الروسية بعد تضرر خط نوردستريم1 الذي يمر عبر بحر البلطيق إلى أوروبا جراء الانفجارات. وتتلخص في تحويل تركيا لمركز للغاز المتجه لأوروبا. من خلال تصدير المزيد من الغاز عبر خط تركستريم الذي يمر عبر البحر الأسود بعد توقف خط نوردستريم الأكبر الذي يمر عبر ألمانيا.
من جهة أخرى يتميز خط ترك ستريم بأنه أعمق بكثير من خط نورد ستريم. وهو عبارة عن جزأين. الأول بحري من مدينة أنابا الروسية. وصولاً إلى ولاية “قرقلار إيلي” التركية. المطلتين على البحر الأسود. بطول 930 كيلومتراً. بفرعين أحدهما يغذي تركيا مباشرة. والثاني يغذي دول أوروبا.
أما الخط البري فهو ينقسم لفرعين أيضاً. الأول بطول 142 كيلو متراً. والثاني بطول 70 كيلو متراً. والخط بمختلف فروعه يمكنه نقل نحو 31 مليار متر مكعب من الغازسنوياً. ومن المتوقع أن يكون نقل الغاز لأوروبا من خلال منطقة تراقيا التركية المتاخمة لليونان وبلغاريا.
ترحيب أردوغان الواضح بالفكرة. وتأكيده على تنفيذها فورًا. يشير بوضوح لمكاسب بلاده. وأولها أن تصبح أنقرة مركزاً للطاقة بالمنطقة. وهو مكسب اقتصادي استراتيجي.فمرور نحو 63 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لأوروبا من خلالها يمنحها مليارات الدولارات. ويضاعف منأهميتها بالنسبة لأوروبا.
تسعى روسيا من وراء هذا القرار إلى تحقيق عدة أهداف سياسية. أولها توسيع التحالف مع تركيا. بما يضمن عرقلة أيّ قرار يمكن أن يتم اتخاذه ضمن حلف الناتو ضدها. بل ومع توسيع التحالف وزيادة التعاون بين الجانبين يضمن بوتين إخلاء المنطقة تماماً من أي وجود أمريكي ضده.
الهدف الثاني إبداء حسن النية تجاه أوروبا. من خلال السعي لتزويد أوروبا بالغاز عبر طريق آمن. وهنا تسعى روسيا لدحض أي اتهامات بأنها تعرقل تدفق الغاز إلى أوروبا.
تشكك أوروبا في موثوقية روسيا كمورد للطاقة. وتصف هذا القرار بأنه محاولة سياسية لتقسيم دول الاتحاد الأوروبي بشأن دعمها لأوكرانيا. تسعى أوروبا التي كانت تحصل من روسيا على حوالي 40% من احتياجاتها من الغاز إلى إبعاد نفسها عن الطاقة الروسية. والبحث عن مصادر بديلة.
من المتوقع إتمام هذه الفكرة في أقرب وقت ممكن. لكنها أيضاً لن تؤثر على سياسات وتوجهات أوروبا بالبحث عن بديل للغاز الروسي. أو تحقق أهداف موسكو في تفكيك القارة العجوز. واستقطاب بعض الدول لصفّها فيصراعها مع الغرب.
في النهاية من المتوقع أن يشكل القرار في حال تنفيذه تغيراً واضحاً في الثقل الاستراتيجي لدول المنطقة. ويغير من خريطة التحالفات الاستراتيجية ومن المتوقّع أن تشهد تركيا في حال تنفيذ الاتفاق صعوداً سياسياً واستراتيجياً جديداً.