شَارِك المَقَال

بعد شهرين على الحرب الأوكرانية الروسية ومع حالة الاستعصاء العسكرية ودون تحقيق حسم عسكري لأي طرف. إلا أن التأثيرات الاقتصادية للحرب تبدو واضحة على كل الأطراف واتسع نطاق تأثيرها ليشمل العالم بأسره. بسبب العقوبات الغربية على موسكو. وهنا تُثار عدة أسئلة مهمة: ما آثار العقوبات الاقتصادية على روسيا؟ وماذا خسرت روسيا؟ وماذا استفاد الغرب من تلك العقوبات؟

 

كيف أثرت العقوبات المفروضة على روسيا على الاقتصاد العالمي؟

على الرغم من أن الاقتصاد الروسي ليس متناسباً مع حجم روسيا السياسي والعسكري. لكنها في الوقت نفسه مصدر رئيسي لبعض أهم السلع الاستراتيجية في العالم مثل النفط والغاز والقمح. وهو ما يجعل الغزو الروسي لأوكرانيا وما ترتب عليه من عقوبات غربية خطراً كبيراً على الاستقرار الاقتصادي العالمي.

أولى الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية على روسيا حدوث ارتفاع حاد في أسعار السلع الرئيسة عبر العالم. إضافة لارتفاع أسعار حوامل الطاقة. الأمر الذي أثر على استقرار الأسواق العالمية وزيادة تكاليف الشحن والنقل. وبالتالي تهديد النمو الاقتصادي العالمي.

كما سبّبت الحرب بشكل مباشر والعقوبات بشكل غير مباشر ارتفاعاً حاداً في عجز العديد من موازنات الدول. بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة. فالنفط تجاوز 100 دولار للبرميل. والقمح اقترب من 500 دولار للطن. وهو ضعف السعر المبني عليه غالبية موازنات الدول المستوردة للحبوب.

كما أدَّى حظر الطيران المدني المتبادل بين روسيا وأوروبا إلى زيادة حادة في طول مسارات الطيران. وهو ما انعكس سلباً على تكاليف الشحن الجوي. والذي تأثر أيضاً بارتفاع أسعار حوامل الطاقة. وهذا التأثير السلبي انسحب بدوره على السياحة العالمية.

من جهة أخرى فإن من المخاطر الاقتصادية المباشرة للحرب ارتفاع التضخم العالمي بنسبة 3%. إضافة لتزايد احتمالات الركود التضخمي. فخفضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي من 4.7% إلى 2.5% بسبب الحرب.

 

ما ردة فعل السوق العالمي على العقوبات؟

شملت العقوبات الاقتصادية على روسيا حظر تجارة السندات الحكومية الروسية. وحظر التعامل مع البنوك الرئيسية. وحظر تصدير التكنولوجيا لروسيا. وتجميد أصول وأموال رجال الأعمال الروس. والعزل عن نظام سويفت المالي. بالإضافة لإيقاف مشروع خط أنابيب الغاز الألماني نورد ستريم 2.

نظراً لعدم اليقين بشأن مستقبل الحرب أو رد فعل روسيا نحو العقوبات كان رد فعل البورصات قاسياً. حيث انخفضت الأسهم الأوروبية بشكل حادّ. وانخفضت عائدات السندات في الولايات المتحدة وأوروبا. وارتفعت قيمة الدولار والين كعملات آمنة.

بالإضافة إلى ذلك ارتفع الذهب في ظل الحرب لمستويات مرتفعة ليصل إلى 2050 دولاراً للأونصة قبل أن يستقر على 1950 دولاراً. وهذا الارتفاع يعود لزيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن للمستثمرين وللدول. لا سيما في ظل مخاوف حادة حول احتمال تطور الحرب وتحوّلها لحرب عالمية.

 

ماذا خسرت روسيا جرّاء العقوبات الغربية؟

على الرغم من أن روسيا استفادت من ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تقوم بتصديرها. والتي تشكل 70% من إيراداتها. إلا أن ارتفاع معدلات الفائدة والذي بلغ 20% له تأثير سلبي على سوق الائتمان. وتقويض قدرات البنوك الروسية.

مع انخفاض الإنتاج ارتفع التضخم الروسي. ومع انخفاض سعر الروبل لأكثر من 40% من سعره قبل الحرب وقبل أن يعوّض خسائره تلك ارتفعت أسعار السلع المستوردة. وانخفضت القوة الشرائية الحقيقية للمستهلكين الروس. وهذا بدوره أدى إلى ضعف الثقة باستقرار الروبل على المدى المتوسط.

على الرغم من أن روسيا تقف على أرض ثابتة وموقع مالي قوي مع ديون متواضعة نسبياً. إلا أن ارتفاع تكاليف الاقتراض الروسية بشكل حادّ. يجعل من الصعب تمويل النفقات المستقبلية في ظل ظروف مالية جديدة. مما يضع ضغوطاً على الاقتصاد والنظام المالي الروسي.

من ناحية أخرى قوَّضت العقوبات الغربية قدرات البنك المركزي الروسي. في استخدام احتياطياته من الذهب والعملات الأجنبية. وهو ما فرض عليه زيادة أسعار الفائدة من 9.5 إلى 20% لمواجهة التضخم ليواجه شبح الركود الاقتصادي.

تزامناً مع منع الحكومة الروسية تحويل الأموال للخارج وإصدار قرار ببيع 80% من قيمة الصادرات بالدولار إلى الروبل بهدف دعم قيمته. خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز الديون السيادية الروسية لمرتبة عالية المخاطر. ما يعني زيادة تحجيم الاقتصاد الروسي. وزيادة صعوبة الحصول على تمويل خارجي.

عموماً قد يكون الاقتصاد الروسي أكبر الخاسرين في الحرب. لكنه بالتأكيد ليس الخاسر الوحيد. فغالبية الدول خاسرة اقتصادياً. إما بشكل مباشر أو غير مباشر. والاقتصاد العالمي برُمّته يعد خاسراً نتيجة التأثيرات الجانبية للحرب. والتي من المتوقع أن تزداد في حال تصاعد الحرب والعكس صحيح.

شَارِك المَقَال