تبدو نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية محسومة في أيامها الأولى لصالح روسيا. فالتفوق العسكري الروسي واضح. وحتى مع استعانة أوكرانيا بأسلحة ومعدات حديثة من حلف الناتو. تبدو الفوارق كبيرة. وخلال أيام تصل موسكو لما تريده. لكن هل ما تبغيه روسيا من تلك الحرب يفيدها على المدى الطويل؟! والسؤال الأهم هنا: ما أبرز الأبعاد الاستراتيجية للغزو العسكري الروسي على أوكرانيا؟
في الحقيقة إن نتائج الحروب لا تُقاس بالنصر العسكري فقط. فالموقف الاستراتيجي هو الأهم. فروسيا مما لا شك به ستحقق نصراً عسكرياً. لكنها على المستوى الاستراتيجي ستُهزم.
على المدى الطويل سيدخل الاقتصاد الروسي في انكماش حادّ قد تطول مدته. علاوةً على عزلة سياسية قد تؤثّر على المدى الطويل على المجال الحيوي الروسي وعلى قوتها الناعمة.
أضف إلى الأبعاد الاقتصادية والسياسية أبعادًا إعلامية واجتماعية. بل وحتى رياضية وفنيّة. مع استبعاد كل ما هو روسيّ من أيّ فعاليات رياضية وفنيّة وإعلامية. فإن كان لروسيا أذرع قوية في السياسة والاقتصاد. فالرياضة والفن وهما من أهم أذرع القوة الناعمة سوف تتضرران بشدة جراء الحرب.
حتى مع اعتماد روسيا على حلفائها التقليديين (الصين وكوريا الشمالية) فالأمر لن يغير من الواقع شيئًا. فالأخيرتان ومعهما إيران يصفهما الغرب بمحور الشر. والتعاون بينهم خلال الحرب وبعدها يعد خسارة استراتيجية لروسيا. التي من المؤكّد أنها تفقد بذلك أكثر من 90% من علاقتها بالعالم أجمع.
كما أن الحرب بالنسبة لروسيا قد تكون -على المدى الطويل- فخّاً أوقع فيه بوتين بلاده. فلا شك أنها سوف تستنزف قدرات روسيا. وهنا نتذكر قول المؤرخ اليوناني الذي وصف سياسة روما أبلغ وصف فقال: لقد انتصرت روما.. لكن خسر الرومان. فبوتين قد يرى نفسه قد حقّق نصراً لكن الدولة الروسية بالتأكيد خسرت.
من جهة أخرى فإن الغزو الروسي بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة هي فرصة مواتية لاستغلال الخطأ السياسي “المتوقع” من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فحلف الناتو ومن خلفه الولايات المتحدة كانوا يظهرون كثيرًا من التعنت خلال فترة المفاوضات. زيادةً على كثير من الاستفزاز لروسيا خلال فترة ما قبل الحرب.
بالإضافة إلى ذلك قام حلف الناتو بتزويد أوكرانيا بأسلحة بصورة لم تحدث من قبل. كما عزّزت الولايات المتحدة وجود القوات العسكرية بالجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي. وهو ما جعل هذا الخطأ السياسي من بوتين “مُتوقع” لحماية بلاده مما يراه خطرًا غربيًّا.
من ناحية أخرى فإن أوروبا ترى أن الحرب الروسية على أوكرانيا فرصة مناسبة لفرض حصار دولي على روسيا. بالإضافة إلى توقيع عقوبات اقتصادية تُعيد موسكو سنوات للخلف.
في الواقع لقد استفاد حلف الناتو استفادة واضحة من حرب روسيا على أوكرانيا. حيث كان تركيز الرئيس الأمريكي جو بايدن واضحًا على زيادة التنسيق مع الحلفاء في حلف شمال الأطلسي. خاصةً دول شرق الناتو الذين يشعرون بالقلق من تداعيات الحشود الروسية العسكرية على حدود أوكرانيا.
ونتيجة لذلك كله أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا بثّ الحيوية في أوصال التحالف العسكري الغربي “الناتو” الذي كان في وضع سيئ في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي كان يشكِّك في قيمة الحلف من الأساس.
كما أن أوكرانيا أيضًا يمكنها أن تستفيد من تلك الحرب على المدى الطويل. من خلال الدعم الدولي الذي من المتوقع أن تحصل عليه جراء الغزو الروسي. وعلى الرغم من أن الحرب ستستنزف قوتها وتدمّر بنيتها التحتية. إلا أنها في المقابل ستحسّن من موقفها الدولي. وتدعم موقفها من الانضمام لحلف الناتو.
في النهاية إن الصمود الأوكراني كبير في وجه الدّبّ الروسي. وهو أمر يمكن اعتباره انتصارًا في حدّ ذاته. ولو كان مؤقتًا. ومن المؤكد أن الأيام المقبلة سوف تكشف خسائر ومكاسب طرفي الحرب. لكن ما نتمناه جميعًا هو ألا تطول تلك الأيام وتتوقف الآلة العسكرية في أسرع وقت.